الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العٌجْب ليس من أخلاق الأنبياء أو العلماء

السؤال

هل يمكن لشخص أن يتمارى بعلمه على الناس ـ يرى نفسه بعلمه؟ وهل كان هذا عند الأنبياء والرسل، أو الأولياء؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالعجب بالعلم، أو غيره من الصفات من الأمور التي يجب تطهير القلب منها والتنزه عنها، ويجب على المؤمن أن يشهد منة الله عليه فيما آتاه من العلم، أو القوة، أو المال، أو غير ذلك وأن لا يرى لنفسه في ذلك فضلا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو لم تكونوا تذنبون لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب. رواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق، والحاكم في تاريخه، وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن أنس ـ رضي الله عنه.

والأنبياء والرسل ومن تبعهم على طريقهم منزهون عن التلبس بالعجب، بل هم أكثر الناس إخلاصا لله تعالى وطلبا لمرضاته، والواجب على كل مسلم أن يتبع أنبياء الله ورسله ومن سار على نهجهم وبخاصة من انتسب إلى طلب العلم، فلا يكون همه بتحصيل العلم نظر الناس ولا التكثر من الأتباع ولا حصول المفاخرة والمباهاة فإن هذا عرض سريع الزوال، ولا ينفع العبد إلا عمله الخالص لوجه الله تعالى، وقد نبه أهل العلم على أن من أهم آداب طلب العلم التجرد لله تعالى وابتغاء مرضاته وحده، ومن ثم صدر الأئمة كتبهم في الغالب بحديث: إنما الأعمال بالنيات ـ تنبيها على هذا الأصل العظيم، وهو أن لا يراد بالعلم إلا وجه الله تعالى، قال النووي ـ رحمه الله: قَالَ الشَّافِعِيُّ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَدْخُلُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْفِقْهِ ـ وَقَالَ ـ أَيْضًا: هُوَ ثُلُثُ الْعِلْمِ: وَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ: وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ ـ وإنما ابتدأت بهذا الحديث ـ يعني حديث النيات ـ تأسيا بأئمتنا ومتقدمي أسلافنا مِنْ الْعُلَمَاءِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ وَقَدْ ابْتَدَأَ بِهِ إمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِلَا مُدَافَعَةٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري صَحِيحِهِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ افْتِتَاحَ الْكُتُبَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَنْبِيهًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَصْحِيحِ النِّيَّةِ وَإِرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ الْبَارِزَةِ وَالْخَفِيَّةِ. انتهى.

وقد روى ابن ماجه من حديث حذيفة ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى الله عليه وسلم قال: لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِتَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ الناس إليكم، فمن فعل ذلك فهو في النار.

والعالم على الحقيقة لا يكون معجبا أبدا، فإنه كلما ازداد علما علم أن ما يجهله أكثر مما يعلمه فهو دائما مفتقر إلى الله تعالى في تعليمه ما ينفعه وحصول النفع له بما تعلمه، وقد ذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان هذين البيتين مما ينسب إلى الشافعي ـ رحمه الله ـ وهو إمام الدنيا في وقته علما وعملا:

كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي

وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي.

والعالم كلما ازداد علما ازداد فقرا لربه وخشوعا وإخباتا وخفضا للجناح امتثالا لرسم العلم وما يأمر به والآثار عن الصحابة ومن بعدهم من علماء الأمة في هذا المعنى مما يستعصي على الحصر، فمن أعجب بعلمه ، أو رأى نفسه فتكبر واختال فقد خالف ما يقتضيه العلم، وخالف هدي العلماء وسمتهم فضلا عن مخالفته هدي الأنبياء والرسل ـ عليهم السلام ـ وهو معرض نفسه للوعيد المذكور في حديث حذيفة الآنف ذكره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني