الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى مشروعية تلفظ الناسي بالشهادتين لإرادة التذكر

السؤال

أريد أن أتأكد أن ما بنفسي هو وسوسة و ليس شكا: عند ما تقرأ علي أحاديث للنبي صلى الله عليه و سلم يأتيني شعور قوي بأني لا أصدقها وأكره ذلك إلا أن نفسي تأبى التصديق، فأظل أبحث عن الحجج حتى أقنعها كالإعجاز العلمي أو أي حجة أخرى حتى أقتنع. مثال: هل القرآن شفاء؟ فأقول: " أنظر إلى أثره في النفس, فهو شفاء". كيف السبيل إلى التخلص من هذا. هل يصح القول: "على الأقل أن تؤمن إيمان عجائز؟"
هل صحيح أن من ينطق بالشهادتان وهو ناس فسيتذكر. هل هذا موجود في الدين؟ حيث نسيت مرة شيئا ما فقلت في نفسي سأتشهد لعلي أتذكر ولم أقل سأتذكر. ثم جاءتني وسوسة بأني شاك بهذا الأمر عندما قلته ولست جازما به وكرهت ذلك وأقنعت نفسي بصدقه. وعندما أنسى شيئا أنطق بالشهادتين وأقول في نفسي: "ماذا لو لم أتذكر؟، ماذا لو لم أتذكر؟" وأحاول أن أقنع نفسي بأني سأتذكر حتى ولو طالت المدة بعد النطق بالشهادتين. أفيدوني.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالظاهر أن ما تعاني منه من باب الوسوسة وليس من باب الشك ما دمت تكره ذلك، وعلاج هذا يكون بالإعراض عن كل هذه الوساوس ونبذها جملة واحدة فلا تتفكر فيها ولا تبحث عن حجج تردها بها. وقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها... وجاء في الصحيحين ما يؤيد ما ذكرته وهو أن من ابتلي بالوسوسة فليستعذ بالله ولينته. انتهى.

وأما التلفظ بالشهادتين عند النسيان لإرادة التذكر فلم يقم عليها دليل فيما نعلم لكن بعض العلماء يستحب الذكر عند النسيان اتباعا لقوله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ {الكهف:24}.

جاء في أضواء البيان للشنقيطي: في هذه الآية الكريمة قولان معروفان لعلماء التفسير:
الأول : أن هذه الآية الكريمة متعلقة بما قبلها ، والمعنى : أنك إن قلت سأفعل غداً كذا ونسيت أن تقول : إن شاء الله ، ثم تذكرت فقل : إن شاء الله .
وهذا القول هو الظاهر ؛ لأنه يدل عليه قوله تعالى : وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله {الكهف:23}. وهو قول الجمهور. وممن قال به ابن عباس والحسن البصري أبو العالية وغيرهم .
القول الثاني : أن الآية لا تعلق لها بما قبلها ، وأن المعنى : إذا وقع منك النسيان لشيء فاذكر الله ؛ لأن النسيان من الشيطان ، كما قال تعالى عن فتى موسى : وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ. الكهف/63 ، وكقوله : استحوذ عَلَيْهِمُ الشيطان فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله. المجادلة/19 ، وقال تعالى : وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشيطان فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذكرى مَعَ القوم الظالمين. الأنعام/68 وذكر الله تعالى يطرد الشيطان.
انتهى .
وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله : هل هناك بأس في أن يكثر الإنسان إذا نسي شيئا أو ضاع منه شيء مِن ذكر الله على وجه غير مخصوص ، كأن يقول: لا إله إلا الله ، أستغفر الله ، لا إله إلا الله والله أكبر ، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم يقول بعد ذلك عسى ربي أن يهديني لأقرب من هذا رشدا وذلك اتباعا لما ورد في سورة الكهف في قوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) أم أن هذا الأمر خاص بالآية السابقة ؟
فأجاب:
إذا نسي الإنسان حاجة فإنه يسأل الله تعالى أن يذكره بها فيقول : اللهم ذكرني ما نسيت ، وعلمني ما جهلت ، أو ما أشبه ذلك من الأشياء .
وأما كون الذكر عند النسيان يوجب التذكر فهذا لا أدري عنه ، والآية يحتمل معناها : اذكر ربك إذا نسيت ؛ لأن الله قال له : وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً . إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ. يعني استثن بقولك إلا أن يشاء الله إذا نسيت أن تقولها عند قولك إني فاعل ذلك غدا.
انتهى .
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني