الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حسن الظن بالله يسلتزم حسن العمل

السؤال

إذا اطمأن الإنسان أنه مسلم، وأحسن الظن بالله بأنه سيحسن جزاءه، لكنه في نفس الوقت قد أتى فعلا شركيا، إما أنه قد فعله، ويجهل أنه ناقض للدين، وإما قد فعله ويعلم حكمه، لكنه لم ينتبه إليه، أو اختلط عليه واعتبره وسوسة، هل يبقى حسن الظن بالله سلاح الإنسان؟ وهل سيحسن الله جزاءه؟ وهل يمكن له أن ينال الفردوس إذا ظن أن الله سيحشره فيها، ولو أتى مثل هذا الشرك الخفي، ولو كان مقصرا في عمله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحسن الظن بالله تعالى من أهم الأمور التي لا بد للمؤمن من تحصيلها، والرجاء والرغبة في ثواب الله من أهم عبادات القلب، لكن لا بد من اقتران هذا الرجاء بالخوف الحامل على العمل والباعث على إصلاح النفس وتهذيبها، فهذه طريقة الأنبياء وأتباعهم وهي قرن الخوف بالرجاء، كما قال تعالى في صفتهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا {الأنبياء:90}.

وقال عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا {الإسراء:57}.

فإذا اجتهد العبد في إصلاح عمله وأقبل على ربه خائفا راجيا فهو على خير عظيم، ويرجى له ـ بإذن الله ـ حصول ما يرجوه والأمن مما يخافه.

وأما إذا قصر في عمله وزعم أنه يحسن الظن بربه فهو غير صادق فيما يدعيه من إحسان الظن بالله، لأن إحسان الظن يستلزم الاجتهاد في الطاعة، وبذل الوسع في تحصيل ما يرجى تحصيله، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {البقرة:218}.

يقول ابن القيم رحمه الله: ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه، فالذي حمله على العمل حسن الظن، فكلما حسن ظنه حسن عمله، وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز؛ كما في الترمذي والمسند من حديث شداد بن أوس عن النبي: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ـ وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة، وأما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن. انتهى،.

وإذا علمت هذا، فإن هذا الشخص المقصر في عمله إذا مات على التوحيد فهو من أهل الجنة، ولكن قد يعذبه الله بذنوبه وقد يغفر له فهو داخل تحت مشيئته تعالى، وأما من ارتكب شيئا من الشرك الأكبر، فإن كان جاهلا بالحكم فهو معذور، فإن الله تعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه، ودلائل هذا كثيرة، وكذا إن ارتكبه مخطئا كقول من قال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. فإنه معذور بخطئه.

وأما من ارتكب الشرك عالما بحرمته قاصدا لفعله، وإنما حمله على ذلك استهانته بأمره وغفلته عما يترتب عليه من العواقب فهذا ليس معذورا، ولو مات على شركه دون توبة إلى الله تعالى فهو خالد مخلد في النار، كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:116}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني