الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو عن الظالم أولى والانتصار للنفس مشروع

السؤال

سؤالي عن أحداث سنة مضت: حيث إنني متأثر جدا بحادث سيارة أدى إلى وفاة أقرباء لي وكنت أنا قائد السيارة وهذا التأثير وصل بي إلى نسب كل ضرر ومكروه يحصل لي إلى ذنب المتوفين، وقد حدث أن ائتمنني رئيسي في العمل على سر خاص به وبزوجته وقمت بابتزاز زوجته بهذا السر بطريقة لا إرادية مرة، أو مرتين نظرا لتعمدها إيذائي قبل ذلك في أمور كثيرة وقامت هي بإبلاغ زوجها بذلك سرا وهو ما أدى إلى أن يطالبني بالخروج من العمل الحالي إلى عمل آخر في دولة أخرى مع أشخاص يثق في ولائهم له وهذا ما تم، ورغم أن نيتي في التوجه إلى العمل الجديد كانت نية خالصة ولم أكن أفكر أبدا في ابتزازها ولكن كانت المؤامرة علي قد اكتملت، حيث فوجئت بأن الأشخاص الذين ليس بيني وبينهم أي خلافات قد بدوؤا بتوجيه إهانات مباشرة لي بالإضافة إلى شتائم ولم أكن أعرف سبب ذلك، ولكن مع الوقت فهمت أبعاد كل شيء وكان أمامي اختيار من اثنين، إما الاستمرار في العمل مع وجود الإهانات والإساءات وتعمد الإذلال، أو ترك العمل والعودة إلى بيتي وبلدي بدون مال وبدون أن أدفع أي مبالغ إلى أقرباء المتوفين في الحادثة التي تسببت بها وقد اخترت الاستمرار في العمل ونيتي كانت أن أتحمل تلك الإهانات والإساءات رغبة في أن تكون هذه تكفير ذنب الحادثة إضافة إلى أن أدفع المبالغ التي أحصل عليها من العمل إلى أيتام المتوفين وهذا ما تم حدوثه لمدة سنة كاملة حدث فيها كل ما يمكن أن يتم حدوثه من إهانة لكرامتي وإذلالي وتوثيق ذلك بإيميلات وتصوير بالإضافة إلى الإساءة إلى سمعتي في بلدي الأصلي وفي شركتي القديمة، وتحت الضغط الشديد من الإهانات قمت بإرسال مبلغ كبير من المال إلى رئيسي في العمل وذلك إشارة إلى أن احتياجي ليس إلى المال الآن ولكن الخروج إلى شركة أخرى، والآن أنا أتعذب يوميا بسبب ما وصلت إليه حيث إن كل الأشخاص في بلدي عرفوا بما حدث ولم يعد هناك من يحترمني بعد استباحة كرامتي وعدم وجود أي رد فعل من جهتي في حين أنه لا أحد يعلم حساباتي السابقة مع نفسي، والآن يقال عني من الناس أنني قد بعت كرامتي من أجل المال حيث إنه لا أحد يعلم حساباتي بالإضافة إلى أن حياتي ليس لها طعم ولا رائحة بدون كرامة، أريد الانتقام لكرامتي وسمعتي من الأشخاص الذين أذلوني وأهانوني وفي نفس الوقت عندي 30 سنة ولم أتزوج نظرا لكل ما مررت به ولو سلكت طريق الانتقام لانتشر الأمر أكثر ووصلت الفضيحة إلى بيتي وهو ما لن يتحمله والداي أبدا وأخواتي، فهل أتزوج وأعتبر أن كل ما حدث ابتلاء من الله وتكفير للذنوب، أو أن أسلك طريق الانتقام والتقاضي رغم عدم وجود أدلة لي على ما حدث؟ وفي حالة التقاضي وعدم وجود أدلة على ما حدث هل يحق لي أن أطلب من الأشخاص هؤلاء أن يحلفوا اليمين بأنهم لم يفعلوا هذا؟، وأخيرا هل ظلمت نفسي حيث إن هذا الشعور يخيفني بشدة أن تكون نيتي الطيبة ورغم كل ما حدث قد أدت إلى أن أكون قد ظلمت نفسي وأنا أعرف عقوبة ذلك.وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق الحديث عن مدى ضمان سائق السيارة لأرواح من معه حال حصول حادث لهم، فليراجع ذلك في الفتوى رقم: 2152.
ولا شك أن ما حدث منك مما وصفته بابتزاز هذه المرأة بسبب سر تعرفه عنها أمر محرم، إذ هو مما ينافي الأخلاق الكريمة التي ينبغي أن يكون عليها المسلم، فعليك أن تحدث لهذا توبة صادقة، وراجع الحديث عن حكم إفشاء السر في الفتوى رقم:27320.

والذي ننصحك به تجاه من ظلمك وأساء إليك هو أن تعفو وتصفح عنهم، فإن الله سبحانه يحب العفو وأمر به في غير موضع في كتابه ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة من الأحاديث الصحيحة، ويراجع الفتوى رقم: 43275.

ولكن إن أردت أن تنتصر لنفسك بالطرق المشروعة عن طريق مقاضاتهم فهذا لا حرج فيه، قال الفضيل بن عياض: إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا فقال: يا أخي اعف عنه، فإن العفو أقرب للتقوى, فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل, فقل له: إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع فإنه ـ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40} ـ وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل وصاحب الانتصار يقلب الأمور. انتهى من ابن كثير باختصار.

فإذا وصل الأمر إلى القضاء الشرعي فالقاضي أعلم بهذه الإجراءات من طلب البينة والتحليف ونحو ذلك, ولكن القاعدة الشرعية أن البينة على المدعي واليمين على المنكر، أما عن موضوع ظلم النفس فما دمت كنت تسكت عن هذه الإساءات احتسابا وحرصا على مساعدة هذه الأسر المنكوبة فلا يدخل هذا في ظلم النفس ـ إن شاء الله ـ ولكننا ننبهك على أن أهل العلم قد نصوا على أن من اعتاد الإساءة وظلم الناس فمعاقبته أولى من العفو عنه استنادا لقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ {الشورى: 39}.

جاء في تفسير القرطبي: أن يكون الباغي معلنا بالفجور وقحا في الجمهور, مؤذيا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل وفي مثله قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق.

الثانية: أن تكون الفلتة, أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة، فالعفو ها هنا أفضل, وفي مثله نزلت: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {البقرة:237}. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني