الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية التوبة من الغيبة وذم ترك الدعاء بدعوى أن الله تعالى لن يستجيب

السؤال

علمت أن الظلم من أسباب عدم إستجابة الدعاء، وعلمت أن من شروط التوبة رد المظالم. وأنا ظلمي للناس يقتصر فقط على الغيبة والبهتان وما شابه. فكيف أرد مثل هذه المظالم؟ بمعنى أوضح إذا قلت إن إنسانا فعل كذا وهو لم يفعل وأردت أن أتوب وأستغفر من هذا الذنب ماذا أفعل؟ وهل يستوجب هذا إخبار من اغتبت معهم أنني كنت أكذب .. وإن تعذر وصعب علي ذلك ..! وأيضا خفت أن يقودني إخبار الشخص المُُغتاب وطلب العفو منه إلى أن أفقد علاقتي به..؟ وهل يجوز لي في مثل الحالات السابقة أن أستغفر الله فقط وأعزم على عدم العودة إلى مثل هذا الذنب نهائيا. لا أنني إذا أذنبت هذا الذنب أندم كثيرا ولا أدعوا الله لأني أعلم أني ظالمة ولن يستجيب الله دعائي.
أرجوكم أفيدوني فأنا حائرة ..؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها أو استحلالهم منها إذا كان الذنب يتعلق بحق المخلوقين, ولكن سبق أن بينا أنه إذا كان الذنب غيبة وسيترتب على إخبار الشخص الذي اغتيب مفسدة كبيرة كخصام أو شقاق أو تهاجر ونحو ذلك فإنه لا يجب إخباره، ويكفي في ذلك الندم وعدم العودة وإحسان صحبته والدعاء له, وانظري المزيد في الفتوى رقم: 127572, والفتوى رقم: 121422, والفتوى رقم: 18180.

ونحذر الأخت السائلة من ترك التوبة والدعاء بحجة أن الله لن يستجيب لها، وهذا في حد ذاته ذنب كبير لأنه قنوط من رحمة الله تعالى ناشئ عن الجهل بعفو الله وسعة رحمته، وقد روى البزار بسند حسنه الألباني عن ابن عباس أن رجلا قال : يا رسول الله ! ما الكبائر ؟ قال: الشرك بالله والإياس من روح الله و القنوط من رحمة الله. اهـ

والله تعالى نهانا في كتابه عن القنوط من رحمته فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ... {الزمر: 53}.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: إنه يغفر جميع ذلك مع التوبة، ولا يقنطن عبد من رحمة الله، وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإن باب التوبة والرحمة واسع، قال الله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ. {التوبة:104}

وقال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا . [النساء:110]، وقال تعالى في حق المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إِلا الَّذِينَ تَابُوا . [النساء:146، 145]، وقال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . [المائدة:73]، ثم قال: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [المائدة:74]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا . [البروج:10] , قال الحسن البصري: انظر إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة!. اهـ.

فاتقي الله أيتها الأخت السائلة واجتهدي في تحقيق التوبة والندم والدعاء وأبشري برحمة الله ومغفرته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني