الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم صلة الرحم إذا كانت تعود على الواصل بالضرر

السؤال

أهلي أصلهم ويؤذونني حتى إنهم كادوا أن يتسببوا في قتل أولادي عمدا، ولا يتوبون عن سرقة أولادي ولا يظهرون أي ندم، ويدعون دائما أنهم على حق، وينكرون أنهم يقومون بذلك، ويستغلوننا لمصالحهم، ودائما أسامحهم وأشعرهم بقليل من الهجر وأني غير راضية إلا أنهم يزيدون في ظلمهم، وأمي تقف بجانبهم وقلبي يحترق عليها، لأنها كبيرة في السن وأخشى عليها من غضب لله، ولأجلها دائما أسامح إخوتي وهي يرضيها ذلك، وتحث إخوتي على ظلمنا، وأولادي يقومون بخدمتها، واتهمت ابنتي بالسرقة ظلما وظهرت براءتها بفضل الله، ومنعت أولادي من خدمة أمي حتى لا تتهم، وما لا حظته أنها تعمدت وقست في اتهام ابنتي دون خوف من الله، وبقلب مجروح أعترف أنني أخشى هلاك أولادي من أهلي، فهل يجوز لي صلتهم أو أقاطعهم خوفا على أولادي منهم؟ أتمنى الرد السريع، وجزاكم الله الجنة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فصلة الرحم واجبة وقطعها حرام، و قد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا. رواه البخاري.

إلا أنه إذا كانت صلة القريب تعود على الواصل بالضرر المحقق فليست واجبة حينئذ، قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت ‏مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه أو دنياه، فرب ‏هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.

لكن ننبه إلى أنّ الشرع لم يحدد لصلة الرحم أسلوباً معيناً أو قدراً محدداً، وإنما المرجع في ذلك إلى العرف واختلاف الظروف، فتحصل الصلة بالزيارة والاتصال والمراسلة والسلام وكل ما يعده العرف صلة. قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعا، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلا. اهـ

وعلى ذلك، فإن عليك صلة إخوتك بما لا يعود عليك أو على أولادك بالضرر، فحاولي مراسلتهم بالبريد الألكتروني ومحادثتهم بالهاتف، وإن تيسر لقاؤهم في المناسبات كالأعياد لقاء خفيفا تحصل به المصافحة ولا يطول اللقاء فهو أفضل، وأما الأم: فيجب برها دائما وخدمتها عند الحاجة والحذر من معصيتها فيما لا يخالف الشرع المطهر، لقول الله عز وجل: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا { الإسراء:}.

وقوله عز وجل: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير{ لقمان: 14}.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أي العمل أفضل قال: الصلاة على وقتها، قيل ثم أي؟ قال بر الوالدين قيل ثم أي؟ قال الجهاد في سبيل الله. متفق على صحته.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور. خرجه البخاري ومسلم في الصحيحين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني