الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم المسح على الجوارب الشفافة والممزقة

السؤال

من شروط المسح على الجوارب أن يمكن تتابع المشى بهما أي أن تكونا ثابتتين على القدمين. فما معنى أن تكون الجوارب ثابتتين على القدمين؟ وهل الشراب الخفيف الشفاف الذي تلبسه المرأة ينطبق عليه أنه يمكن تتابع المشي به ؟ حيث إنني في بعض الأحيان أقوم بارتداء شراب خفيف شفاف وممزق. فهل هذا الشراب ينطبق عليه شرط أنه يمكن تتابع المشى به؟
وهل رخصة المسح على الشراب يجب الأخذ بها فقط عندما نكون في مكان يصعب خلع الشراب فيه أم أنه ممكن الأخذ بها حتى لو كان بامكاننا خلع هذا الشراب، حيث إنني في أحيان أكون خارج المنزل ولكني أدخل الحمام وأتوضأ، ومن الممكن أن أقوم بخلع الشراب حيث إني أكون بمفردي فى الحمام (وحتى إذا كان الحمام الجماعي خاليا ممكن خلعه حيث لا يوجد سوى بنات فى الحمام ولا يوجد رجال)ولا يوجد صعوبة لخلع الشراب، ولكن للتيسير أقوم بالمسح، وأحيانا أخرى أكون في المنزل وألبس شرابا وقاية من البرد، وعند الوضوء أقوم بالمسح عليه وعدم خلعه. فهل ما أقوم به في الحالتين السابقتين صحيح أم أنه يجب خلع الشراب وغسل القدمين عند الوضوء مادام لا يوجد سبب قوي يمنع خلعه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المراد بثبوت الجوربين وما في حكمهما هوأن يكونا ثابتين على القدمين بحيث لا يسقطان عند المشي عليهما فينكشف محل الفرض من القدم، وهو معنى واضح. قال ابن قدامة في المغني: قال أحمد في المسح على الجوربين بغير نعل إذا كان يمشي عليهما ويثبتان في رجليه فلا بأس، وفي موضع قال: يمسح عليهما إذا ثبتا في العقب. وفي موضع قال: إذا كان يمشي فلا ينثني فلا بأس بالمسح عليه فإنه إذا انثنى ظهر موضع الوضوء، ولا يعتبر أن يكونا مجلدين. قال أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن المنذر: إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.انتهى.

والشراب الخفيف غير داخل في مواصفات الجورب الذي يجوز عليه المسح عند الكثير من أهل العلم، لأنهم اشترطوا لجواز ذلك أن يكونا ساترين لموضع الفرض، وأن يكونا غليظين بحيث يمكن المشي عليهما، أخذا من المفهوم العام لمعنى الخف المعروف عند الصحابة الكرام.

ومن العلماء من لم يشترط للجورب وفي معناه الشراب أن يكون ثخينا أوغليظا بحيث يمكن المشي به كما يمشي بالخف والنعل لعدم ورود نص فى ذلك. ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَلَّدَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ. فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ. فَفِي السُّنَنِ : أَنَّ النَّبِيَّ {مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ} وَهَذَا الْحَدِيثُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا أَوْ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا أَوْ صُوفًا، كَمَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ وَمَحْظُورِهِ وَمُبَاحِهِ، وَغَايَتُهُ أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنْ الصُّوفِ فَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى. وَأَيْضًا فَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا كَالْحَاجَةِ إلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا سَوَاءٌ، وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ، وَمَنْ فَرَّقَ بِكَوْنِ هَذَا يَنْفُذُ الْمَاءُ مِنْهُ وَهَذَا لَا يَنْفُذُ مِنْهُ فَقَدْ ذَكَرَ فَرْقًا طَرْدِيًّا عَدِيمَ التَّأْثِيرِ .انتهى.

وفي فتاوى نور على الدرب للشيخ محمد بن صالح العثيمين: المسح على الجوارب و هي الشراب قد ورد فيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح عن غير واحد من الصحابة أنه مسح على الجوارب، ولو قدرنا أنه ليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أثر عن الصحابة فإن القياس الصحيح الجلي يقتضي جواز المسح على الجوربين - أي الشراب - وذلك لأننا نعلم أن الحكمة من جواز المسح على الخفين هي المشقة التي تحصل بخلعهما عند الوضوء ثم غسل الرجل ثم إدخالها وهي رطبة فإن في ذلك مشقة من جهة النزع و اللبس، ومن جهة إدخال الرجل وهي رطبة، وهذه الحكمة المعقولة الواضحة تكون تماما في الجوربين فإن في نزعهما مشقة وفي إدخالهما والرجل رطبة مشقة أخرى، لذلك نرى أن النص والنظر كلاهما يدل على جواز المسح على الجوربين، ولكن هل يشترط في الجوربين أي الشراب أن يكونا صفيقين بحيث لا يرى من ورائهما الجلد أو لا يشترط؟ هذا محل خلاف بين العلماء منهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين لا يصفان البشرة وإنه عليهما لو حصل خرق ولو يسير كمبطٍ فإنه لا يجوز المسح عليها، ومنهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين يمنعان وصول الماء إلى الرجل وإن لم يكونا ساترين، و على هذا فيجوز المسح على الجوربين إذا كانا من النايلون الشفاف، ومنهم من قال لا يشترط ذلك كله وأنه يجوز المسح على الجوربين الرقيقين ولو كان يرى من ورائهما الجلد ولو كانا يمكن أن يمضي الماء منهما إلى القدم، وهذا القول هو الصحيح لأنه لا دليل على الاشتراط والحكمة من جواز المسح موجودة في الرقيقين كما هي موجودة في الثخينين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين الخفيفين كما يجوز على الجوربين الثخينين. انتهى.

وانظري الفتوى رقم: 101492، والفتوى رقم: 4047 ، مع التنبيه على أنه إذا كان الشراب ممزقا بحيث لا يصدق عليه أنه جوارب فلا يصح المسح عليه، وإن كان مجرد خروق فقد اختلف الفقهاء في جواز المسح مع وجود خرق في محل الفرض كما سبق بيانه في الفتوى رقم :28931، وخلصنا في تلك الفتوى إلى أن الذي يظهر أن الصحيح هو القول بجواز المسح على الخفين المخرقين إذا كان الخرق يسيراً.

وفي فتاوى نور على الدرب أيضا للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى إجابة لسؤال نصه: هل يجوز المسح على الخف الممزق أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه يجوز المسح على الخف المخرق وعلى الجورب الخفيف الرهيف لأنه لا دليل على اشتراط أن لا يكون فيه خرق أو شق، أو أن لا يكون خفيفاً، ولو كان هذا شرطاً لجاء في الكتاب والسنة والأصل في جواز المسح على الجورب والخف التخفيف على الأمة، فإذا اشترطنا شروطاً لا دليل عليها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاد التخفيف تثقيلاً، فالصواب جواز المسح على الجورب ما دام اسمه باقياً سواءً كان خفيفاً أم ثقيلاً مخرّقاً أم سليماً. انتهى.

وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: يمسح على الشراب إذا كان ساتراً لمحل الغسل كما يمسح على الخف، والفرق بينهما، أن الخف من الجلد، وأما الشراب فيكون من القطن ويكون من الصوف ويكون من غيرهما، والحكم في المسح عليهما واحد في أصح أقوال العلماء، وقد ثبت في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين والنعلين، والجوربان هما الشراب، وثبت ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أنهم مسحوا على الجوربين. انتهى.

ولا يشترط لجواز المسح على الجوربين وجود مشقة، فيجوز للسائلة أن تمسح على الجوربين سواء كان يصعب عليها خلعهما لغسلهما أم لا، لأن المسح عليهما شرع للتخفيف والتيسير كما يشرع لها المسح لأجل الوقاية من البرد من باب أولى، ولتنظر الفتوى رقم: 41513.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني