الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو عن المسيء ومقابلة الإساءة بالإحسان مبدأ عظيم من مبادئ الإسلام

السؤال

أرجو أن يتسع صدركم لسؤالي، وأرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم وجزاكم الله عنا خيرا.
سيدي: قبل نحو شهر زارنا ابن أخي زوجي باحثا عن عمل في الإمارات، وهو شاب في العشرين غير متزوج ولا خاطب، وكنا نعلم عنه أنه مؤدب وخجول وملتزم دينيا وأخلاقيا. ومن خلال وجوده معنا لمدة حوالي شهر في أحد الأيام كان فاتح صفحة الفيس بوك الخاصة به ونسيها مفتوحة! فاطلعت عليها وفوجئت بأنه على علاقة ببنت ويتبادل معها المسجات والرسائل الغرامية، والكلام غير المؤدب فجن جنوني وطلبت من زوجي أن نطرده من البيت. هذا علاوة على أنه مستغل وسارق، فقد أعطيناه بعض الأشياء ليستخدمها ولكنه لم يرجعها مثل شريحة موبايل وحقيبة وأشياء أخرى، نعم نحن لم نبلغه في البداية بأن هذه الأشياء استعارة وهو ربما فكر أنها هدية. المهم أخذها ولم يسأل. كما وأنه استغل طيبة ولدي وجعله يعطيه مبلغا من المال (كوبونات لمعرض الكتاب بقيمة 100 درهم) ليشتري بها مصحفا لوالدته. وكنت قد حذرت ابني من أن لا يعطيه شيئا ولكن ابني عصاني وأعطاه الكوبونات بحجة أنه لا يحتاج إليها، لذلك غضبت على ابني غضبا شديدا وقلت له أنت لست ابني وأنا بريئة منك إلى يوم الدين لأنك فضلت ابن عمك علي وعلى إخوتك وأعطيته الكوبونات، وطبعا ازددت نقما على ابني وعلى ابن عمه وطلبت من زوجي بإصرار أن يطرده من البيت. ولكن زوجي كعادته يأخذ الأمور بكل بساطة ويحاول أن يوهمني بأفكاره القديمة التي لم تعد موجودة في زماننا وهي أنه يجب علينا أن نسامح كل من يسيء إلينا ونلتمس العذر للغريب والقريب ولا نسيء لأحد! وأنا أعتبر كل ذلك ضعف وأنه يجب علينا أن نقابل الإساءة بمثلها ونأخذ حقنا، فهذه الأخلاق التي يحاول أن يقنعني بها لا تصلح لمجتمعنا الآن، وأن هذه الأخلاق ليست سوى درب من دروب النفاق الاجتماعي وليس لها مرجع ديني ولا أخلاقي! كما وأني أتحامل على زوجي دائما بأنه يفضل أقرباءه وحتى الغرباء علي وعلى أولادي، فهو يحترم ويوقر ويساعد ويعطي القريب والغريب ولكن عندما يكون الأمر متعلقا بي أو بأولادي فإنه يتكاسل ويتباخل!!!
فهل أنا مخطئة بهذا التصرف وهل أكون قد ظلمت زوجي أو ابني أو حتى ابن أخي زوجي، وخاصة بأن عندي بنات وأخاف عليهن؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن هذا الشاب عدة أمور:

الأمر الأول: أنه على علاقة ببنت ويتبادل معها الرسائل الغرامية والكلام غير المؤدب، وهذا منكر بلا ريب يجب نصحه فيه، روى مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة. ولا يجوز تمكينه من الدخول لهذا الغرض على الانترنت من خلال الاشتراك الخاص بكم.

وإن كنت قد تعمدت النظر في صفحته هذه والاطلاع عليها، ومن غير إذن منه، فقد أثمت لأن ذلك نوع من التجسس وهو محرم إلا لضرورة كما هو مبين بالفتوى رقم: 77776.

الأمر الثاني: أنه أخذ بعض الاشياء ليستخدمها ولكنه لم يرجعها، وقد أحسنت بالتماس العذر له أخيرا، وأسأت حين رميته بالاستغلال والسرقة أولا. والأصل حسن الظن بالمسلم حتى يتبين خلافه، وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 48025.

الأمر الثالث: أنه استغل ابنك وأخذ منه هذا الكوبون، وقد لا يكون الأمر كذلك، فإذا كان ابنك بالغا رشيدا، وأعطاه إياه طواعية فقد لا يكون قد استغله. وإن كان الولد صبيا غير بالغ فلا تصح هبته كما بينا بالفتوى رقم: 134490.

وأما طلبك من زوجك طرده من البيت فلا حق لك فيه إلا إذا كان هذا البيت ملكا لك، أو لم يكن ابن أخيه في جزء من البيت مستقل بمرافقه، وراجعي الفتوى رقم: 79961.

والعفو عن المسيء ومقابلة الإساءة بالإحسان مبدأ عظيم من مباديء الإسلام قرره الشرع وندب إليه، وسبق لنا بيان ذلك بعدة فتاوى نحيلك منها على الفتوى رقم: 114087. فليس صحيحا إذن ما ذكرت من أن هذا المبدأ لا يصلح تحقيقه في هذا الزمان وأنه يجب علينا أن نقابل الإساءة بمثلها ونأخذ حقنا...إلى آخر ما ذكرت من مثل هذا.

فنوصيك بأن تهوني الأمر على نفسك، وأن لا تحاولي أن تحملي الأمر أكثر مما يحتمل فتثقلي على نفسك وتوقعيها في الحرج. واحرصي على التفاهم مع زوجك بكل روية وأن تعملا معا على كل ما يمكن أن يكون سببا في تربية الأولاد على مباديء الدين ومكارم الأخلاق والعمل على كل ما يصونهم من الفساد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني