الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قذفت امرأة في عرضها ولا تريد التحلل منها، وعفت صاحبة الحقة عنها

السؤال

امرأة قذفتني في عرضي، وهي الآن مصابة بسرطان المخ وعلى فراش الموت، حاول أقاربها أن يوضحوا لها أن تتوب وهي تصر على العناد. فهل تدخل النار؟
لقد أخبرني زوجها فقلت له إني متنازلة عن حقي أمام الله لأنها في لحظات حرجة في حياتها، ولأخذ أجر العافين. فهل هذا يكفي أم يجب عليهم الصدقه أو التكفير بشكل ما؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يجب على المعتدية على العرض التوبة الى الله تعالى واستحلال من ظلمتها، ولا تتم توبتها إلا باستحلالها إن قدرت على ذلك، فإن تركت التحلل مع القدرة فإنها مستحقة للعقوبة في الآخرة، لما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة يأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.

وقد أحسنت أنت في العفو عنها ونرجو الله أن يجعلك من العافين ويرزقك ثوابهم، فالعفو من الأخلاق العظيمة التي أمر بها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ {الشُّورى:40} وقال: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22} ، وقال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}، وقال تعالى: وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ {النحل:126}، وقال تعالى: وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التغابن:14}، وقال الله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}.

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. وفي الحديث: صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. رواه أحمد ووثق الهيثمي رجاله في المجمع وصححه الألباني.

وقد سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلُق رسولِ الله، فقالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.

وما دمت عفوت عنها فنرجو أن لا يعاقبها الله بما يتعلق بحقك أنت، لأنك حللتها بعفوك عنها ويبقى حق الله تعالى، فأمرها إليه إن شاء عذبها وإن شاء غفر لها، ولا يلزم أولياءها فعل أي شيء، ولكنه يحسن أن يستغفروا لها ويتصدقوا عنها .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني