الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مكارمِ الأخلاق لا تعني قبول الظلم والذل والمهانة

السؤال

أثناء الاطلاع على قسم الفتاوى في إسلام ويب شاهدت الكثير من الفتاوى, ولكني وجدت عددًا منها أريد الاستفسار عنها, ففي الفتوى رقم 71787 بتاريخ 20 محرم 1427 والمتضمنة: هل الإسلام دين محبة؟ وحيث كان الجواب هو أن دين الإسلام دين محبة, والدليل هو: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" ( الشورى: 40), "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليهم بمثل ما اعتدى عليكم" ( البقرة: 194), وهذا ما أريد أن أتكلم عنه: فإنه مكتوب في الإنجيل عند النصارى: "أحبو أعداءكم, وباركوا لاعنيكم, وأحسنوا إلى مبغضيكم"
أرجو توضيح الفرق بين ما كتب في القرآن الكريم والإنجيل من الفرق الكبير فإن الإسلام يدعو أن تقابل الإساءة بإساءة مثلها, وفي المسيحية تقابل الإساءة ليس بمثلها بل بحسنة, وفي المحبة وفي المباركة.
والسؤال هو: هل كلام الإنجيل يتماشى مع المحبة في الإسلام؟ وهل توجد آية في القرآن الكريم تدعو إلى المحبة الصادقة ومحبة الأعداء ومحبة المسيئين؟
أتمنى لكم كل توفيق ومحبة صادقة, وأرجو أن تصلني الإجابة الشافية - بإذن الله جل جلاله -, وأطلب منكم أن لا تعتبر هذه الرسالة إساءة, بل هي استفسار؛ لأني بشوق أرغب معرفة الحقيقة, ولكم مني كل شكر واحترام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله تعالى قد أعطى المظلوم الحق في أن ينتصر لنفسه بقدر ما ظُلِم؛ قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى: 39- 43}.
ومع ذلك فقد أرشده سبحانه وتعالى في أول الآيات وآخرها إلى أن الأَولى به هو العفو والصفح والمسامحة؛ وقد وعد الله تعالى المظلوم بثمار طيبة جزاء عفوه وصفحه, ومنها ما تقدم، ومنها: أيضًا أنه بعفوه وصفحه قد يصير الظالم وليًا حميمًا رحيمًا مسالمًا، ومنها: أن الله سبحانه وتعالى يرفع قدر المظلوم ويُعزه، على خلاف ما قد يتصوره ضعاف النفوس من الناس حيث يظنون أن العفو ذلٌ، والصفح مسكنةٌ، قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35،34]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا" رواه مسلم, وانظر الفتوى رقم: 72777.

ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا السياق أن الإسلام دين مكارمِ الأخلاق عمومًا، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" رواه أحمد، ومكارم الأخلاق كما تَصْدُق على المحبة، والرحمة، والعفو، والمغفرة، فإنها تصْدُق أيضًا على عِزة النفس، وإباء الضيم، بل من محاسن الإسلام أنه بغَّض إلى المسلمين الإقامة على الذُّل والرضا بالمهانة والمسكنة حِرصًا على الحياة! وأوجد ارتباطًا بين الإيمان والعِزة والأنفة في الحق, قال الشيخ محمد الخضر حسين: "أينما وجد الإيمان الصادق، وُجدت إباءة الضيم بجانبه، ألا تقرؤون فيما تقرؤون من الكتاب المجيد قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، ولا عزة لمن يسومه عدوه ضيمًا، فيطأطئ له رأسه خاضعًا، وإنما قتل في نفسه الشعور بالمهانة الحرص على الحياة، أو على شيء من متاعها، وكل متاعها في جانب العزة حقير" اهـ.

ومن محاسِن الإسلام أيضًا أنه شَرَعَ للمسلم إذا تعرَّض للأذى أن يرُدَّ على المؤذي بالمِثل؛ تحقيقًا لمبدأ العدل الذي قامت عليه السموات والأرض، واستجابة لنداء الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها من إباء الضيم, وعدم الرضا بالظلم, ولمزيد بيان انظر الفتويين: 54580 - 57954.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني