الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدفع بالتي هي أحسن لا يعني الرضا بالذل والفرح بالاستعباد

السؤال

إشارة إلى السؤال رقم: 2376710 لقد استلمت الجواب وهو نفس الأجوبة السابقة التي وجدتها في قسم الفتاوى، ولكن الآن أوجه سؤالي بصيغة أخرى:
هل توجد آية في القرآن الكريم، وليس في الأحاديث الشريفة والتي تدعو إلى المحبة وأعيد عليكم آية في الإنجيل المقدس: ( أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى المبغضين لكم ). وأيضا:(لاتقاوموا الشرير بل من لطمك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر) وإني أنتظر جوابكم بنعم أو لا. وإذا كان بنعم أرجو كتابة الآية في أي سورة، وفي حالة عدم استلام جوابكم فإني أعرف الجواب لا توجد آية. وإني لكم كل شكر ومحبة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقرآن الكريم فيه آيات كثيرة تحث على العفو والصفح ومقابلة السيئة بالحسنة، كقوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. {آل عمران/133، 134} ، وقوله: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. {الشورى/40} ، وقوله: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . {النور/22}، وقوله: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ. {المؤمنون/96}.

لكن ينبغي أن يُعلم أن كظم الغيظ، والعفو عن المسيء، ومقابلة السيئة الحسنة، لا يعني الرضا بالذل، أوالإقامة على الضيم، أوالفرح باللطم!!

فليس في الإسلام الانطراح بين أيدي الظالمين، ولا افتراش الأرض تحت أرجُل المتكبرين!

التعبد لله في الإسلام ليس بالتلذذ بالضعف والرضا بالهوان والتلذذ بالمسكنة؛ فتلك مازوكية بغيضة، وإنما يكون التعبُّد فيه بالصبر واحتمال الأذى ابتغاء الأجر والمثوبة!

انظر إلى قول الله تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}، فإن فيها امتداح الصابر بأنه صاحب عزم وعقل؛ حيث إنه مَلَك نفسه، ولم يستسلم لشهوة الغضب فيفتك بعدوه.

وانظر إلى قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}، حيث إنه تعالى لم يأمر بفعل الشيء الحسن مع الشخص المخالف، بل إنه أمر بفعل الأحسن، هي صيغة مبالغة من الحُسن، ولكن ذلك ليس مجانًا، وإنما رجاء تآلف القلوب وذهاب العداوة .

وعلى كل حال، فإن منهج القرآن في التعامل مع النفس الإنسانية متوازن وحكيم؛ فلا يتطلب من المظلوم استيفاء حقه من ظالمه على وجه البطش، ولا يطلب منه كذلك الخنوع والذل، وإنما يتيح له استيفاء حقه من غير زيادة، لا وَكس ولا شطط، وفي المقابل يرجّح له العفو على الانتصار للنفس كما بيَّنناه في الفتوى رقم: 191771.

بقي أن ننبهك إلى أن ما يسمى بالكتاب المقدس عند النصارى اليوم ليس هو الإنجيل المنزل على نبي الله عيسى، وانظر بيان ذلك مفصلاً في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2105 // 116838 // 29326 // 162253.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني