الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحاسب المرء على بغض من أساء إليه وعدم مسامحته

السؤال

أنا مسلمة حاجة، أحاول أن أكون على قدر كبير ‏من الإيمان، وأحاول أن لا أقع في ما يغضب ‏الله.‏
‏ أود السؤال عن كره إنسان لشخص، القصة ‏أنني عانيت من نساء إخوتي فلي أخ تزوج للمرة ‏الأولى، عاملناها معاملة حسنة لكنها أساءت لنا ‏كثيرا دون أدنى سبب؛ بل كانت خطيئتها التي ‏ارتكبتها تغضب الله وله منها خمسة أولاد ‏تركتهم، وطلقها، تزوج مرة ثانية بعد أربع ‏سنوات من المعاناة في تربية الأولاد وقد ساعدته ‏في بداية أول سنتين، ثم تعبت لسفر زوجي ‏وتركني وحيدة في همومي، فانقطعت عن ‏الذهاب لبيت أخي والاهتمام بأمورهم، علما بأن ‏أبي سانده كثيرا وهو في الستينيات من العمر ‏ويسكن بجوار بيت أخي، وأنا أسكن بعيدة عنهم، ‏المهم انقطعت ليس بشكل نهائي وإنما كان أولاد ‏أخي هم الذين يأتون لزيارتي برفقة أبي، وأنا لا ‏أذهب؛ لأن ذلك كان يشق علي، تزوج أخي مرة ‏ثانية، فبدأت زوجته تضرب الأولاد لأسباب لا ‏تذكر والذريعة أنها ( عصبية ) أي سريعة ‏الغضب، فصرت أسأل أولاد أخي عن أخبارهم، ‏فكانوا يقولون إنها تطبخ لهم وتنظف البيت لكنها ‏تضربهم دون أن تسمع منهم الأعذار لدرجة ‏أنني في مرة علمت من ابنة أخي عمرها 14 ‏سنة أنها رشقتها بماء وسخ ( ماء الزبالة ) لأنها ‏لم تخرجه وتنظفه. وهذه الحادثة هي التي ‏جعلتني أكره زوجة أخي الجديدة، وجاءت ‏لزيارتي حيث كنت مسافرة ورجعت فلم أكلمها، ‏مما أغضبها، وأحدث ذلك مشكلة وبدون أي ‏سبب أو كلام أو رد من قبلي اتهمتني بأنني عاقة ‏لأبي، وأنني تركته ورميته ولا أهتم بأموره، ‏وأن الله لم يرزقني بأولاد بسبب أنني عاقة لأبي، ‏علما بأن أبي غير عاجز حيث إنه يعيش في هذه ‏البلد بإرادته لأنه في الأصل له بيت في بلد آخر ‏يعيش فيه هو وأمي أيضا مد الله في عمرهما ‏وأعطاهما الصحة أي أنه لا يحتاجني.
الخلاصة ‏أنها اتهمني بأمور ليست في نفسي دون أن ‏أبادلها الإساءات أو الكلام الجارح حتى لأنني ‏والله لا أعرف كيف أشتم أو أؤذي. في النهاية ‏ولدت تلك الأمور السابقة حقدا وكرها، لدرجة ‏أنني لا أريد حتى رؤيتها أو سماع صوتها، ‏وعدم قدرتي على مسامحتها بالرغم من أنني ‏أسمع القرآن، وأعرف صفات النبي عليه الصلاة ‏والسلام من طيب قلبه وحبه لأمته إلا أنني لا ‏أملك هذه الصفة، مع أني إذا رأيتها وبادرت هي ‏بالمصالحة لا أمانع؛ لأنني أملك قلبا مؤمنا بالله ‏إلا أني الذي يمنعني أني لا أنسى . ‏
سؤالي هل أأثم على الذي في نفسي من كره ‏ولده ظلم البشر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن مجرد عزوف النفس، وبغضها لمن أساء إليها، دون غل في ذلك ولا حقد، لا شيء فيه، لأن انفعالات القلوب حبا وبغضا غرائز لا كسب للإنسان فيها، فلا يتعلق بها خطاب الشارع، إذ قد جبل الله القلوب سجية على بغض من أساء إليها، كما فطرها على حب من أحسن إليها.

قال أبو عمر: المحبة والبغضة لا يكاد المرء يغلب فيهما نفسه.

قال العراقي في طرح التثريب: الحب والبغض معان قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها.

وقال ابن بطال: قال الطبرى: فإن قيل: فهل حب المرء اكتساب للعبد أم غريزة وجبلة؟ فإن قلت: إن ذلك اكتساب للعبد، إذا شاء أحب وإذا شاء أبغض، قيل: فما وجه الخبر الوارد: أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، وإن قلت: إن ذلك جبلة وغريزة، فما وجه قوله (صلى الله عليه وسلم) : لا يجد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، فالجواب: أن الله تعالى، وإن كان هيأ القلوب هيئة لا يمتنع معها حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها، فإن العبد إنما يلحقه الحمد والذم على ما كلف مما له السبيل إليه من تذكيرها إحسان المحسن وإساءة المسىء إليها، وتنبيها على ما أغفلته من سالف أيادى المحسن إليها والمسىء. اهـ

لكن هذا البغض الفطري الذي بينا أنه لا تناله الأحكام، لا ينبغي أن يستسلم له الإنسان فيستأسر لمشاعر الكراهية حتى يحمله ذلك على ما له فيه كسب وتحكم من خيانة النفس، وإرادة الشر للناس، وإضمار الحقد والغل لهم فذلك من باطن الإثم .

وراجعي الفتوى رقم: 14710 .

ومهما كان من إساءة هذه المرأة إليك، فلا يشفي المتغيظ غيظه بمثل الصفح عن الزلات والمسامحة، فنحن نذكرك مثوبة العفو والصفح، فما عند الله تعالى خير للعبد وأبقى والذكرى تنفع المؤمن، وراجعي الفتوى رقم: 114087 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني