الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاقة بين العفة والصبر

السؤال

ما العلاقة بين العفة والصبر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية ينبغي الوقوف على بعض معاني العفة والصبر من حيث تعريفهما وأنواعهما.

فالعفة عرفها الراغب لغة واصطلاحا فقال: أصل العفّة الاقتصار على تناول الشّيء القليل.

واصطلاحاً: العفّة حصول حالة للنّفس تمتنع بها عن غلبة الشّهوة، والمتعفّف هو المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر.

وأما أنواعها فقال ابن أبي الدنيا في أدب الدنيا والدين: فَأَمَّا الْعِفَّةُ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا الْعِفَّةُ عَنْ الْمَحَارِمِ، وَالثَّانِي الْعِفَّةُ عَنْ الْمَآثِمِ . فَأَمَّا الْعِفَّةُ عَنْ الْمَحَارِمِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا ضَبْطُ الْفَرْجِ عَنْ الْحَرَامِ، وَالثَّانِي كَفُّ اللِّسَانِ عَنْ الْأَعْرَاضِ . وَأَمَّا الْعِفَّةُ عَنْ الْمَآثِمِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: الْكَفُّ عَنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالظُّلْمِ، وَالثَّانِي: زَجْرُ النَّفْسِ عَنْ الْإِسْرَارِ بِخِيَانَةٍ.

وأما الصبر فعرفه الراغب لغة واصطلاحا فقال: الصّبر: الإمساك في ضيق.

واصطلاحا: هو حبس النّفس على ما يقتضيه العقل والشّرع، أو عمّا يقتضيان حبسها عنه.

وقال ابن القيم في عدة الصابرين: والنفس فيها قوتان: قوة الإقدام، وقوة الإحجام. فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكا عما يضره.

وأما أنواع الصبر فقال ابن القيم في عدة الصابرين: الصبر باعتبار متعلقه ثلاثة أقسام: صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها.

وقال الفيروزآباديّ في بصائر ذوي التمييز: وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبرا، وإن كان في محاربة سمّي شجاعة، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا، وإن كان عن فضول العيش سمّي زهدا، وإن كان عن شهوة الفرج سمّي عفّة، وإن كان عن شهوة طعام سمّي شرف نفس، وإن كان عن إجابة داعي الغضب سمّي حلما.

فمما سبق يتبين أن الصبر والعفة يتفقان في أن كلا منهما يدل على كف وانضباط في النفس، إلا أن العفة تختص بضبط النفس عن المحارم والأطماع الدنية، والصبر يزيد على العفة بضبط النفس عن التسخط على الأقدار المؤلمة، وضبطها على تحمل التكاليف، وصرف الهوى عنها حتى تؤدي أوامر الله تعالى وغيرها من المعاني التي تفهم من أنواع الصبر التي ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى.
ومعاني الورع والحياء، وحسن السمت، والطهارة، والتنزه عن أطماع الدنيا. ألصق بالعفة من الصبر، وإن كان الصبر يتضمنها.
كما أن معاني الشجاعة والحلم، والزهد، والصوم، وكتمان السر. ألصق بالصبر من العفة، وإن كانت العفة تتضمن بعضها.
فالخلاصة: أن بينهما تداخلا في بعض المعاني، وإن كان الصبر أعم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني