الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يجوز جعل الكذب وسيلة للتوصل للعمل

السؤال

جزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه من إفادة للمسلمين.
في البداية: أعلمكم أنني أعاني من مرض الوسواس, فأنا أتخيل أشياء عن يوم القيامة ستحدث لي, وأن الله سيلقيني في جهنم, وأنه لن يعفو عني, وذهبت إلى الطبيب, وأنا أقوم بأخذ العلاج الآن, وأدعو الله أن يشفيني؛ لأن هذا المرض حدث لي منذ فترة, وبعد شفائي رجع مرة أخرى, فهو مرض يجعلني أعيش في حزن وكآبة, فلا أستطيع التركيز في حياتي, فأنا أتمنى اليوم الذي أرى فيه نفسي قد تزوجت, فلا أدري هل هذا حلم أم حقيقة؟ وسأحاول جاهدًا سرد قصتي لكم داعيًا الله أن يريح قلبي وعقلي المشتت, فأنا أبلغ من العمر 29 سنة، وقد تخرجت من كلية الإعلام, فأنا حاصل على بكالوريوس إعلام بتقدير جيد, ثم بعد تخرجي تحدثت مع أشخاص - ما يسمي بالواسطة - حتى أستطيع التوظف, ولكن دون جدوى، ثم بعد عدة شهور علمت أن هناك جريدة مشهورة تقوم بإنزال وظائف متاحة, وكنت أعرف ذلك ولكني كنت أقول: إن هذه الإعلانات بها وسائط أيضًا, وقد تحدث إليّ قريبي أن هذه الإعلانات حقيقية, فتقدمت إلى العمل عن طريق هذه الجريدة, وقبلت في العمل, لكن – للأسف - كنت أعاني من مرض الوسواس القهري في أمر ما فتركت العمل بعد شهر ونصف من تخرجي؛ بسبب عدم تركيزي في العمل, وقد أخبرني صاحب العمل أني لست بكفء، ثم بعد فترة تقدمت إلى عمل آخر, وقمت بملء بياناتي الشخصية, وقد كذبت في ملء البيانات الشخصية مدعيًا أن لدي خبرة في العمل, وكذبت في محل الإقامة, ومرادي بالكذب هو الحصول على وظيفة, أو الحصول على حقي، فهذه الوظائف التي أتقدم لها خارج المحافظة التي أسكن فيها, وعند عملي في هذا العمل حصل موقف بيني وبين مدير التسويق فتركت العمل, غير أنني علمت بعد ذلك أن هذا العمل قد أغلق، ثم تقدمت إلى أعمال كثيرة وعند ملء البيانات الشخصية أقوم بالكذب كما أوضحت: في الخبرة, ومحل السكن, فهناك أعمال أقبل فيها, وأعمال لا أقبل فيها, وعند قبولي أعرف أنها غير مناسبة, ولا جدوى منها, فهي عبارة عن مندوب مبيعات أقوم بالتجوال, مع العلم أن جميع الأعمال التي عملتها من قبل هي مندوب مبيعات, لكن هناك مندوب مبيعات تشعر أثناء عمله أنه سوف يدوم معك, وبعد فترة وجيزة قمت بالتقدم إلى العمل, وكذبت أيضًا في بياناتي الشخصية, وكتبت في بياناتي أنني حاصل على شهادة خبرة, وقبلت بالعمل, ولكن ضميري بدأ يؤنبني على ذلك, وأن ما أفعله حرام, فتركت العمل, مع العلم أن المسؤول لم يرَ أي شهادة خبرة مزورة, لكنه قرأ في البيانات أنني حاصل على شهادة خبرة، وبعد فترة أيضًاً عرفت أن هناك وظيفة في المحافظة التي أسكن, وعرضت على صاحب العمل سابقة أعمالي, لكنه لم يعرف أنها عن طريق الكذب, فتكلم معي صاحب العمل أنك سوف تعمل مندوب مبيعات, ولكني رفضت, فالعمل غريب, وهو الذهاب إلى مصانع في منطقة صناعية لتعرض لهم خدمة المعمل؛ حيث إن العمل عبارة عن معمل تحاليل طبية, غير أنني بدأت أختنق من وظيفة مندوب المبيعات، ثم عند دخولي على الفيس بوك رأيت مجموعة خاصة بالوظائف بالمحافظة التي أسكن بها، فقبلت في مصنع دون كذب, ولكن طبيعة العمل هي أن أقيم في مصنع - ولا يوفر لك طعاما - وأقوم بعمل طعامي بنفسي, فهو يوفر لنا الفرن لعمل الطعام, فرفضت العمل, وأغلب المصانع هنا توفر لك وسيلة المواصلات لكي يأخذوك إلى المصنع وعند نهاية عملك يرجعونك مرة أخرى, والذي أود معرفته هو الآتي - جزاكم الله خيرًا - أنا تخرجت عام 2005, ولم أستقر في حياتي إلى الآن, فنفسيتي متعبة غاية التعب, وأعاني من الحزن مما أنا فيه, وأنا أعلم أن الكذب حرام، فهل يجوز لي الكذب عند التقدم إلى الأعمال المتاحة في المحافظة التي أسكن بها أم لا؟ وذلك الكذب بغرض أن يقبلني صاحب العمل, فإذا لم أكذب – ربما - لا يقبلني؛ فأضطر للكذب, وإذا كان الكذب غير جائز, فما حكم المال المترتب على ذلك؟ وهل هو حرام أم حلال ؟ وإذا كذبت فإن كذبي في أن لدي خبرة - 5 سنوات مثلًا - كمندوب مبيعات فقط, مع العلم أنني عملت مندوب مبيعات فترة 6 شهور فقط, وكان عملي في شركتين مختلفتين, كنت في إحداها مندوبًا داخل الشركة, أقوم باستقبال العملاء داخل الشركة, وهذه عملت بها 5 شهور, والشركة الأخرى كانت مندوبًا خارج الشركة, وعملت بها شهرًا واحدًا فقط, فأنا أعرف طبيعة عمل مندوب المبيعات, وأفهم طريقته, لكنني من المؤكد أني لست بكفء, لكنني أستطيع العمل بها, مع العلم أنني عند التقدم لوظيفة فربما أتقدم لوظيفة غير وظيفة مندوب المبيعات - كمشرف عمال مثلًا - ولكنني سأضطر للكذب أن لدي خبرة في المبيعات؛ لأن تلك هي الوظيفة التي أفهمها, وربما يقبلني صاحب العمل كمشرف عمال, فهل يجوز لي الكذب في السيرة الذاتية, ومحل الإقامة أيضًا بغرض الحصول على وظيفة؟ مع العلم أنني – ربما - إذا انتهيت من إرسال سؤالي هذا أقوم بالتقدم لأي وظيفة, وأكذب بها, وقد أقبل فماذا أفعل إذا قبلت في العمل عن طريق الكذب؟
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أجبناك عن هذا السؤال مسبقًا في الفتوى رقم: 181113.

وإنما زدت في هذا السؤال زيادة تفاصيل, ونزيدك إيضاحًا فنقول لك: إن الكذب حرام, ولا يجوز التوصل به إلى العمل, وإن الله قد تكفل برزق كل دابة على وجه الأرض, وما عند الله لا ينال إلا بطاعته, وإنما يختبر الله العبد في تضييق رزقه عليه؛ ليعلم مدى صبره في هذا الامتحان والابتلاء, فمن رضي فله الرضى, ومن سخط فعليه السخط.

وعليه؛ فننصحك أولًا بالتوبة إلى الله من كل كذبة أو ذنب قدمته, وإذا وجدت من الآن فصاعدًا عملًا فأخبرهم بكل صدق عما معك من مؤهل أو خبرة, وتذكر قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}.

وأكثر من الاستغفار, فهو من أسباب جلب الرزق, وتكفير السيئات، وجلب رضى رب الأرض والسموات, قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا{نوح:10-12} وقال صلى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب. رواه أحمد وأبو داود والحاكم, وقال: صحيح الإسناد.

فلازم تقوى الله عز وجل, وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه البزار ، وصححه الألباني.

وفي الحديث: إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه الإمام أحمد وصححه الأرناؤوط والألباني, وللفائدة انظر الفتويين: 16676. 163597.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني