الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

عند قولي لمن اغتاب أخي المسلم: (استغفر الله, لا تغتب ) هل أكون قد رددت الغيبة بذلك؟ وهل أدخل في من ينالهم الفضل الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام في أنه يحمي لحمي من النار ملك؟ لأني سمعت حديثًا فيه أن أقول: (خسئت ما عهدنا منه إلا خيرًا) وأظن أني إذا قلتها للصديق سيغضب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد وردت نصوص كثيرة دالة على فضيلة الذب عن عرض المسلم ورعاية حرمته إذا انتهكت غائبًا، فمن ذلك ما رواه في شرح السنة عن أنس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ - وَهُوَ يَقْدِرُ على نصرِه - فنصرَه نصرَه اللَّهُ فِي الدِّنَيا وَالْآخِرَةِ, فَإِنْ لَمْ يَنْصُرْهُ - وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نَصْرِهِ - أَدْرَكَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وعن أسماء بنت يزِيد قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْمَغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان.

وعن أبي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نصر الْمُؤمنِينَ).

وفي الترمذي وحسنه: من رد عن عرض أخيه رد الله عن عرضه النار يوم القيامة.

وعن جابر أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ, وَمَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ عرضه وينتهك فِيهِ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نصرته. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

ومنها ما أشرت إليه في سؤالك, وهو ما رواه أبو داود عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حمى مؤمنًا من منافق - أراه قال - بعث الله ملكًا يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم, ومن رمى مسلمًا بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال. ورواه أحمد بلفظ: ..من منافق يعيبه وأخرجه السيوطي كذلك بلفظ : ..من منافق يغتابه .. ،

ولا يتعين لفظ بعينه كقول: "اخسأ ما علمنا إلا خيرًا" ولا غير ذلك، ولم يرد تعيين لفظ بعينه فيما نعلم، لا هذا اللفظ ولا غيره، بل كل ما حصل به الدفع عن المسلم ورعاية حرمته وردع المعتدي عليه حصل به المقصود - بإذن الله -.

ومجرد نهي المغتاب عن الغيبة والقول له: هذا لا يحل لك, أو نحو ذلك من العبارات كاف - بإذن الله - في حصول المقصود، قال القاري في شرح حديث أسماء بنت يزيد المتقدم: مَنْ ذَبَّ) أَيْ: دَفَعَ (عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ) : كِنَايَةٌ عَنْ غَيْبَتِهِ عَلَى طِبْقِ الْآيَةِ، وَالْمَعْنَى مَنْ دَفَعَ أَوْ مَنْ مَنَعَ مُغْتَابًا عَنْ غِيبَةِ أَخِيهِ (بِالْمَغِيبَةِ) أَيْ: فِي زَمَانِ كَوْنِ أَخِيهِ غَائِبًا. انتهى.

ولو قال نحوًا من اللفظ المذكور فهو حسن, كما قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه - لمن اغتاب كعب بن مالك - رضي الله عنه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت, والله ما علمنا عليه إلا خيرًا. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني