الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يُتوسَع في المعاريض حتى لا تؤدي إلى الكذب

السؤال

سأذكر خمسة أمثلة للكذب، ولا أدري هل هي حرام أم لا؟ ولا أدري هل هي أساسًا من الكذب أم لا؟ حيث إنها منتشرة على ألسنة العامة وأكثرها عن طريق المزاح:
1ـ شخص يقسم أنه لا يدخن ـ وهو مدخن ـ ونيته أنه لا يدخن في تلك اللحظة التي أقسم فيها.
2ـ شخص يقسم أن وقت العصر قد حان, وأن المؤذنين قد أذنوا، ونيته أن ذلك كان بالأمس وليس اليوم، أو أن ذلك كان في المدينة الأخرى.
3ـ شخص يقسم أنه قابل فلان بن فلان، وكان اسم فلان هذا الذي قابله يوافق اسم شخص آخر، أي أنه لم يقابل فلانًا الذي كان في نية من يتحدث إليه، ولكنه آخر تشابه اسمه مع اسم ذلك الشخص، مع العلم أن الذي أقسم يعلم ما الذي كان يظنه من يتحدث إليه، ليس رجمًا بالغيب ولكن قد يكون فلان ذاك رجلًا مشهورًا، فاستغل اسمه في هذه المزحة.
4ـ شخص عاهد رجلًا وحلف له أنه لن يفعل أمرًا ما، وبعد ساعة فعل ذلك الأمر وقال: نويت أنني لا أفعله لمدة ساعة فقط، فهل هذا الحلف جائز؟.
5ـ شخص واعد رجلًا أنه سيستغرق دقائق حتى ينتهي من عمله ثم يذهب إليه، فاستغرق ساعات، وقال إن الساعات عبارة عن دقائق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن هذه الأمثلة التي ذكرتها تدخل في المعاريض والتورية: وهي أن يتلفظ الشخص بكلام يحتمل معنيين: أحدهما قريب غير مقصود، والآخر بعيد هو المقصود، وقد صح عن عمران بن حصين قوله: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد.

والتورية في الأصل غير مذمومة من الناحية الشرعية إلا إذا توصل بها إلى إحقاق باطل، أو إبطال حق، أو نحو ذلك، وينبغي أن يعلم أن اليمين على نية الحالف إذا نوى غير ما أظهره، وكان لفظه يحتمل ما نواه فيقبل قوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى.

وهذا إذا لم يتعلق بيمينه حق لغيره، أما إذا تعلق بها حق لغيره، فإن النية فيها تكون حينئذ للمستحلف ـ ‎أي: المحلوف له ـ لقوله صلى الله عليه وسلم: يمينك على ما يصدقك به صاحبك.

وفي بعض ألفاظه: اليمين على نية المستحلف. رواه مسلم وابن ماجه.

وكذلك ينبغي ألا يتوسع في المعاريض حتى لا تفضي بصاحبها إلى الكذب، وإنما يستعملها عند الحاجة، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وَتُبَاحُ الْمَعَارِيضُ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيُّ: عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَتُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ, وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ الْمَعَارِيضِ لِغَيْرِ الظَّالِمِ. انتهى.

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: فإن المعاريض عند الحاجة والتأويل في الكلام، وفي الحلف للمظلوم بأن ينوي بكلامه ما يحتمله اللفظ، وهو خلاف الظاهر، كما فعل الخليل صلى الله عليه وسلم، وكما فعل الصحابي الذي حلف أنه أخوه وعنى أنه أخوه في الدين، وكما قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم: رجل يهديني السبيل ـ وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم للكافر الذي سأله ممن أنت؟ فقال: نحن من ماء ـ إلى غير ذلك، أمر جائز.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 68919.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني