الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقابلة الزوجة إساءة أهل زوجها بالإحسان من الإحسان إلى الزوج

السؤال

أولًا: جزاكم الله خيرًا لإعانتنا على حل مشاكلنا اليومية، وأرجو من سيادتكم الرد على السؤال بحالته, وعدم تحويلي لفتوى أخرى؛ لأهمية إجابتكم في تحديد موقفي تجاه المشكلة التي أتعرض لها. رزقني الله سبحانه وتعالى مولودة منذ بضعة أيام بعد ولادة يعلم الله مدى ما عانيت فيها, وأسأل الله عليها الأجر - إن شاء الله - وحجزت بالمستشفى لمدة يومين, كان يقوم على خدمتي فيهما زوجي ووالدي ووالدتي، وحماتي جاءت لزيارتي, ولم يتسنَ لإخوة زوجي زيارتي لظروف تمر بها البلد من حظر تجول وغيره، ولم يغضبني هذا لأنه أمر خارج عن إرادتهم، مع العلم أنني لم أتأخر في زيارة أحد منهم وقت المناسبات، بل كنت أسعى لإرضاء زوجي ببرهم حتى في ظروف حملي, وأوقات اختباراتي بالجامعة, وغير ذلك، ويوم أن خرجت من المستشفى ذهبت إلى بيت والدي كما كان الاتفاق بيني وبين زوجي لتعينني أمي على رعاية المولودة، وبمجرد وصولنا للبيت اتصلت أخت زوجي به لتسأله: "أي الطرق أسلك للوصول إلى بيت حماك؟" فطلب منها زوجي أن يستأذن أهل البيت في حضورهم؛ لأنه كان يرى أني لم أتعافَ بعد, ووالدتي مشغولة معي، علمًا أنها طبيبة, ووقتها لا يكاد يكفي لرعايتي، وعندما استأذن زوجي أجابه أبي بأنه يرحب بهم في أي وقت, ولكنه طلب الانتظار مدة يومين فقط حتى أتعافى، وهنا - يا سيدي - انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، فأخته غضبت واشتكت, وأخبرت أمها بما حدث, فغضبت هي الأخرى؛ لأنها كانت تنوي المجيء معهم، واعتبروها إهانة لأنهم أصحاب بيت, ومن حقهم المجيء في أي وقت, ولم يخبرني زوجي بشيء حتى لا تتأثر نفسيتي فتؤثر على رضاعة الطفل، إلا أني شعرت بتغير فصممت أن أعلم ما حدث، وحين حكى لي قررنا أن نكلم والدته ونعتذر لها عن سوء الفهم غير المقصود، وبالفعل كلمتها ولم تكن تريد أن ترد على اتصالي إلا أننا حاولنا أكثر من مرة، وأسمعتني وابلًا من الإهانات لي ولأمي, كما أساءت لوليدتي التي لم تكن بلغت من العمر أيامًا, واتهمتني بمحاولة جذب ابنها نحو أسرتي بعيدًا عنهم، ومع ذلك اعتذرت وطلبت أن أعلم ما يرضيها حتى نفعله, ولم أصلْ معها لحل, وبعدها كلمت أخت زوجي واعتذرت لها بالمثل, وعاتبتني بأدب إلا أنها كانت مصممة أني أهنتها وزوجها، والآن - يا سيدي - بعد أن اعتذرت - وأنا على ثقة أني لم أخطئ في حق أحد؛ لأن الله أمرنا أن نستأنس ونسلم على أهل البيت قبل دخوله لحرمة المنازل ولاختلاف ظروف الأشخاص - إلا أن الأمر بقي على ما هو عليه, مع عدم سؤال أي منهم عني, أو عن ابنتي, حتى مع علمهم بذهابي للمستشفى مرة أخرى, ولم يفكر أحد بالاطمئنان علينا، وكانت حماتي ترى أنه وجب على زوجي بعدما حدث ترك بيت والدي وتركي ورضيعتي بعد ثلاثة أيام من الولادة، وزوجي رجل طيب وحنون للغاية, وأشهد الله أنه لم يخطئ في حقي بأي شكل، ولكني سئمت معاملة والدته وإهانتها لأهلي مرارًا, مع العلم أنني لا أحكي لأهلي شيئًا حتى لا أزيد الطين بلة, وزوجي عالق لا يعلم ماذا يفعل؟ وأنا أتمنى أن أعينه إلا أن آخر الإهانات كانت فوق الاحتمال, وكرامتي لا تتحملها, فأنا أبكي طوال الوقت, وأتمنى أن آخذ قرارًا بقطع علاقتي بهم, إلا أني أخشى أن أتسبب لزوجي بألم أو حرج، وفكرت مرارًا في الانفصال, فلا يمكن أن تستمر الحياة على هذا المنوال, فأرجع وأحرِّم هذه الفكرة، فأفتوني هل أخطأت؟ وكيف أصحح خطئي؟ وإن لم أخطئ فما حقي الشرعي في حفظ كرامتي مع أهل زوجي؟ وهل من حقي دون إثم عليّ ألّا أخالطهم إلّا في أضيق الحدود؟ وهل يستدعي الأمر أن يتركني زوجي في منزل والدي في هذه الظروف لمجرد طلب تأجيل الزيارة؟ آسفة على الإطالة - جزاكم الله خيرًا -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الحال كما ذكرت فلست مخطئة، بل أنت محسنة إلى أهل زوجك, ومتجاوزة عن إساءتهم، ولا حق لزوجك في عقابك بتركك عند أهلك، لكن ما دام زوجك على الحال التي ذكرت من حسن الخلق وطيب المعشر، فعليك معاشرته بالمعروف, والتجاوز عن هفواته.

وإذا كانت صلة أهله غير واجبة عليك، لكن من تمام الإحسان إلى زوجك أن تحسني إلى أهله, وتتجاوزي عن هفواتهم، فتفاهمي مع زوجك, وبيِّني له أن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تكون سببًا للخلاف بينكما، واحرصي على صلة أهله بالقدر الذي لا يترتب عليه مفسدة، واعلمي أنّ مقابلة السيئة بالحسنة مما يجلب المودة, ويقي شر نزغات الشيطان، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}
كما أنّ العفو عن المسيء سبيل لنيل عفو الله ومغفرته، وهو يزيد المسلم عزًّا وكرامة, فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني