الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحلف ألا أعتدي على أحد فأستفز وأعتدي عليهم فما المخرج؟

السؤال

مشكلتي أن الظروف تحتم عليّ التعامل مع أشخاص أعرفهم, وأشخاص لا أعرفهم بشكل يومي, ويعاملونني بدونية واحتقار، فأرفع صوتي عليهم, وأستخدم يدي لأدفعهم أحيانًا، وأشعر أنني مجبور على تصرفي هذا، وبعدها أندم ندمًا شديدًا, وأقسم ألا أعود إلى ذلك، ولكنه يصادفني موقف آخر فأعيد الكرة؛ لأن أكرم ما على الإنسان كرامته، وأعرف أنه ظلم، فما المخرج؟

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمخرج من ذلك أن تعلم أن الاعتداء بالكلام, أو الضرب على المسلم بغير حق لا يجوز في الشرع؛ لما فيه من أذية المسلم المحرمة شرعًا، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب:58}.

وفي حديث مسلم: كل المسلم على المسلم حرام: دمه, وماله, وعرضه.

وفي حديث الصحيحين: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر.

وفي الحديث: أجيبوا الداعي, ولا تردوا الهدية, ولا تضربوا المسلمين. رواه أحمد، وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته بحجة الوداع: ... إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا, إلى يوم تلقون ربكم. متفق عليه، واللفظ للبخاري.

ولذلك، فالواجب عليك أن تتحلل من كل من ظلمته بشتم, أو قذف, أو ضرب، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لِأَخِيهِ من عرضه, أو شيء, فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار, ولا درهم, إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وإنما يجوز لك إذا اعتدى عليك شخص أن ترد عليه بالمثل، ولا يجوز لك الاعتداء بأكثر مما اعتدى به، فإن الله تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}.

وفي حديث مسلم: المستبان ما قالا, فعلى البادئ منهما، ما لم يعتد المظلوم.

وقال ابن العربي ـ رحمه الله ـ في كتابه أحكام القرآن عند تفسيره لقول الله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ـ قال علماؤنا: وهذا دليل على أن لك أن تبيح دم من أباح دمك، وتحل مال من استحل مالك، ومن أخذ عرضك, فخذ عرضه بمقدار ما قال فيك، ولذلك كله تفصيل: أما من أباح دمك فمباح دمه لك، لكن بحكم الحاكم, لا باستطالتك, وأخذ لثأرك بيدك، ولا خلاف فيه...

وأما إن أخذ عرضك: فخذ عرضه لا تتعداه إلى أبويه, ولا إلى ابنه, أو قريبه، لكن ليس لك أن تكذب عليه, وإن كذب عليك، فإن المعصية لا تقابل بالمعصية، فلو قال لك مثلًا: يا كافر جاز لك أن تقول له: أنت الكافر، وإن قال لك: يا زان, فقصاصك أن تقول يا كذاب, يا شاهد زور، ولو قلت له: يا زان, كنت كاذبًا فأثمت في الكذب, وأخذت فيما نسب إليك من ذلك, فلم تربح شيئًا, وربما خسرت. انتهى.

وأما كونك تقسم ألا تفعل هذا مرة أخرى ثم تفعله: فإن عليك بذلك كفارة يمين واحدة، ولو فعلت المقسم عليه مرارًا إلا إذا أقسمت مرة أخرى بعد أن حنثت في اليمين الأولى، فإن عليك حينئذ كفارة يمين أخرى, وهكذا, أو كانت صيغة اليمين تفيد التكرار, ككلما, أو مهما، أو قصدت بيمينك تكرار الحنث كلما فعلت ما أقسمت عليه ألا تفعله، قال في مواهب الجليل شرح مختصر خليل بن إسحاق المالكي عند قوله: وتكررت إن قصد تكرر الحنث, أو كان العرف, يعني أن من حلف ألا يفعل فعلًا ففعله, فإنما يحنث بفعله مرة واحدة, ثم لا كفارة عليه فيما بعد ذلك، إلا أن يكون قصد تكرر الحنث كلما فعله، فيتكرر عليه الحنث، قال ابن عرفة: وحنث اليمين يسقطها؛ ولذا لا يتعدد ما يوجبه الحنث بتكرر موجبه إلا بلفظ, أو نية, أو عرف. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 74232، 33698، 2022.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني