الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم شتم الطغاة الظلمة، والترهيب من السخرية بالإسلاميين والدعاة

السؤال

ما حكم شتم رجل ظالم مثل الحكام الطغاة القتلة وأن أقول هو حيوان، أو أغتابه؟ وهل يحق لي شتم أي ظالم خائن قاتل وأن أسخر منه؟ وهناك رجل يقوم بالسخرية من الإسلامين خاصة ومن باقي الناس أحيانا، فهل يجوز لي شتمه وهو مسلم، لكنه دائما يسخر من الدين وعلمائه، فهل يجوز لي شتمه؟ فإني أرسلت إليكم أكثر من سؤال منذ أسبوع ولم أتلق أي إجابات أفيدوني أفادكم الله

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من المعلوم عند المسلم أن السب والشتم والغيبة حرام، وأن ذلك ليس من خلق المسلم، لكن من جاهر بالظلم أو الفجور والفسق والعصيان من الحكام والأفراد جاز شتمه وسبه وغيبته والدعاء عليه، قال الإمام ابن الهمام الحنفي في فتح القدير: لو قال لفاسق يا فاسق، أو للَّص، يا لص، أو للفاجر يا فاجر، لا شيء عليه. اهـ.

وجاء في الفتاوى الفقهية لابن حجر الهيتمي الشافعي: وَالْفَاسِقُ ـ سِيَّمَا الْمُتَجَاهِرُ ـ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا تَوْقِيرَ وَلَا مُرَاعَاةَ، بَلْ يُعَامَلُ بِالسَّبِّ وَالزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ وَيَتُوب.

وذكر النووي في الأذكار ستة أحوال لجواز الغيبة، منها: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر، أو مصادرة الناس وأخذ المكس وجباية الأموال ظلما، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه، ومن الأدلة على أن من أظهر الشر والفسق وسب الدين لا غيبة له ما رواه الطبراني وغيره مرفوعا: ليس لفاسق غيبة. وتكلموا في سنده.

وما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: مر عليه بجنازة فأثنى عليها الحاضرون شرا، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت، ومر عليه بأخرى فأثنوا عليها خيرا، فقال صلى الله عليه وسلم: وجبت، فسألوه صلى الله عليه وسلم عن معنى قوله وجبت؟ فقال: هذه أثنيتم عليها شرا فوجبت لها النار، وهذه أثنيتم عليها خيرا فوجبت لها الجنة، أنتم شهداء الله في أرضه.

ولم ينكر عليهم ثناءهم على الجنازة شرا حيث علموا فسق صاحبها، فدل ذلك على أن من أظهر الشر لا غيبة له.

وأما السخرية والاستهزاء بعلماء الدين لأجل ما يحملونه من العلم الشرعي ففاعله لا حرمة له، لأنه مستهزئ بدين الله، ومثل هذا: الاستهزاء بالإسلاميين والدعاة والمصلحين، فالسخرية منهم لأجل استقامتهم وصلاحهم والدعوة إلى دينهم كفر، والدليل على ذلك هو أن الله عز وجل جعل الاستهزاء بالمؤمنين استهزاء بالله تعالى وآياته ورسوله، فقال سبحانه: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ { التوبة: 65ـ66}.

فقد ورد في سبب نزول هذه الآية عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطوناً ـ أي أوسع بطوناً ـ ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت! ولكنك منافق، ولأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن. أخرجه الطبري..

ونقل الخادمي الحنفي في بريقة محمودية عن ابن نجيم: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: الِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ.

والحاصل أن من جاهر بمعصيته وسبه للدين وأهله لأجل دينهم لا تحرم غيبته وسبه.. إلا إذا جر ذلك إلى مفسدة أعظم، فإنها لا تجوز، فقد قال الله عز وجل: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}.

وأما عن أسئلتك السابقة فستصلك قريبا ـ إن شاء الله تعالى ـ إن لم تكن قد وصلتك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني