الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إحسان الظن بالله وتقواه يزيل الهموم ويورث السعادة ويشرح الصدر

السؤال

كنت أحفظ القرآن الكريم بانتظام من سن العاشرة حتى سن 14 سنة، بالذهاب للمسجد يوميا، وكنت أحفظ جيدا، فوصلت إلى 15 جزءا. وكان ذلك ينعكس على حياتي الدراسية؛ حيث أحرز دائما المراكز الأولى، وكنت في راحة نفسية وإيمانية، وكان عقلي وقلبي نظيفين، ومنتبهين ومركزين في دروسي. كنت في سعادة، وكانت عندي دوافع للحياة، والتقدم، والمثابرة. كنت أشعر برضا الله، وأسعى إليه دائما. ولكن بالتدرج بدأ الكسل والتراخي يخترقني، فلا أحفظ جيدا، ولا أذهب للمسجد حتى نسيت ال15 جزءا، وأصبحت أفعل معاصي كثيرة، وبعدت عن ربي كثيرا. خسرت الكثير، وخسرت رضا الله عني، فيئست من الحياة. أقول لنفسي: ما فائدة المذاكرة وما فائدة الحياة عندي وأنا أغضب الله، وأبارزه بالمعاصي فقد مارست العادة السرية! وكل ساعة أريد أن أقتل نفسي من شدة الندم، كلما قرأت القرآن وكيف أن الله حذرنا من اتباع خطوات الشيطان، وكيف أن الشيطان سيقول دعوتكم فاستجبتم لي. وكلما مثلا أتألم من ماء ساخن ولا أحتمله أقول: يا رب: كيف عذاب النار! فذنوبي كثيرة جدا. أعيش في قلق كل لحظة في حياتي، دائما تفكيري مشغول. ربي سيغضب علي أكثر؛ لأني فعلت هذا وذاك. تشتت تفكيري جدا لا أبدأ بشيء وأنهيه. خسرت راحة البال وانقلب حالي. قلبي وعقلي مشتتان، انعكس ذلك على دراستي، فلا أذاكر أولا بأول، أو لا أذاكر إلا قبل الامتحان بيوم بسبب عدم التركيز. فما فائدة النجاح وأنا لا أشعر برضا الله، وعقلي صار غبيا وكسولا فأنا لا أتعلم أي شيء. حالي تدهور كثيرا، قلبي اسود، أكره نجاح الآخرين، وأحقد عليهم. لماذا هم يتمتعون براحة البال، والذكاء ومنهن متبرجات وأنا محجبة، وألبس واسعا؟ لماذا هم يتقدمون ولماذا هم واثقون من أنفسهم هكذا وأنا لا؟ نقمت على حياتي كلها، وأتهم أبي وأمي بأنهما لم يعلماني التعامل مع الحياة، لم يمهدا لي أي شيء في بداية كل مرحلة في حياتي. تألمت وضاقت نفسي كثيرا فمثلا عندما بلغت لم تنبهني أمي لأشياء أخرى لتمهدني لفترة المراهقة، فوقعت في أسر العادة السرية، وأفطرت في رمضان بسببها، والآن أصوم 60 يوما كفارة (لقد تبت عنها لكني عدت إليها بعد شهر من تركها، وكل مرة من ممارستها أشعر بجبل من المعاصي ألقي علي، وعلى دين كبير صلاة وصيام 7 سنوات وهذا يثقل على جدا) وأهلي لا يعرفون أي شيء عن ما أحكيه الآن، مهتمون فقط بهل أكلت هل شربت؟ فلم يعودوني على أن أحكي معهم لينصحوني بدل أن أقع في معاصي أتألم بسببها دنيا وآخرة، لا أحد منهم يضمني أو يهتم بي. وأيضا تعاملاتي مع الناس وكيف أنهم لا يهتمون بي، ويصدوني، ويعاملونني بجفاء أقول: ولماذا يهتمون بي وأهلي أساسا يهملون حالتي النفسية، فأبي قاس، وعصبي فكلما وجدت مثلا معيدا أو دكتورا في الكلية ذا خلق وهادئ وناجح، وأشعر فيه بالطيبة ملت له, طبعا لا أكلمه، ولكن أعيش معه في خيالي، وأتخيل أنه يحبني، وهذا يشتتني وأشعر بغضب الله؛ لأني أفكر أتخيل أشياء محرمة. وأشعر أني مصابة بالوسوسة، فأفكر كثيرا في أشياء غريبة تتعلق بالله.
فهل ما أحكيه لكم الآن حرام علي؛ لأني أجهر بالسوء، ولكني أريد أن أجد حلا.
عندما كنت أقرأ "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله "وأيضا "ولا تيأسوا من روح الله" كنت أفعل المعاصي، وأقول ربنا رحيم، وأقول ما دام ربنا كتب لي أني سأقوم بمعصية، فهذا هو السبب في أني قمت بها. فكيف أفعل شيئا ربنا لم يكتبه لي؟ وسمعت أن أمن مكر الله من الكبائر. ومن الأسباب التي أفسر بها معاصي أني محسودة والناس يحقدون علي. كل ما حكيته يتردد في نفسي كل ساعة. فكيف تأتي الحياة الهادئة وأنا ما بداخلي نار، وتشتت. والندم يحرق قلبي، فعندي الآن 20 سنة. دائما الحزن والهم، والغم يتملكني. وكيف أشعر بالراحة وأنا أفعل كل ذلك حتى الصلاة أصليها بلا تركيز؛ لأن بالي مشغول بكل ذلك، ومشغولة بالدنيا والله والله لم أكن أريد أن أفعل كل ذلك. أتمنى أن أرجع لحفظ القرآن، لكني أحفظ يوما وأترك شهرا، فأقول الله غضبان علي ولا يريد أن يوفقني للطاعة، وأتمنى أن يرضى الله عني، وأعيش في راحة بال، وأتمنى أن أدخل الجنة.
أرجوكم ساعدوني، أرجوكم ساعدوني وادعوا لي.
وأرجوكم أجيبوا على كل جزئية في السؤال.
أنا آسفة على أنه طويل، أرجوكم سامحوني.
أرجوكم أتمنى أن يجيب أحد على سؤالي، وينهي حيرتي.
أرجوكم أنا آسفة على أني سأتعبكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يشرح صدرك، وأن يوفقك لهداه، واعلمي أنه لا مخرج من المضايق والأنكاد، والهموم إلا بتقوى الله عز وجل، ومن تقوى الله المبادرة بالتوبة إليه سبحانه، فإن الله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}.
والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.
والعبد إذا تاب فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيما؛ قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.
فعليك أن تحسني ظنك بالله، وأن تتضرعي إليه سبحانه بأن يمن عليك بتوبة نصوح، واحذري من اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته؛ فإنها من كبائر الإثم، ولتستيقني أنه لا كاشف لما بك إلا الله وحده، فلا جدوى من الشكوى إلى غيره، ونوصيك بالاستعانة بالله تعالى وإظهار الفاقة إليه، إذ لا سبيل لك إلى هداية أو إنابة إلا بمعونته وفضله. واتخذي رفقة صالحة تعينك إن ذكرت، وتذكرك إن غفلت، وأقبلي على كتاب الله تلاوة، واستماعا، وتدبرا، ومراجعة لما حفظتيه منه، فهو نور الصدور، وشفاء القلوب.
وراجعي للفائدة عن وسائل إصلاح القلب وتقوية الإيمان الفتوى رقم: 10800

ونوصيك بالرجوع إلى كتب الرقائق كالجواب الكافي، ومدارج السالكين أو تهذيبه أو غيرها من كتب الرقائق، للاستزادة والفائدة، وقد ذكرنا بعضها في الفتوى رقم:128330 .

وأما ما يتعلق بقولك : " فوقعت في أسر العادة السرية وأفطرت في رمضان بسببها والآن أصوم 60 يوما كفارة " فإن المفتى به عندنا هو مذهب جمهور العلماء من أن الفطر بالإنزال ونحوه - مما سوى الجماع - لا يوجب الكفارة، كما سبق في الفتوى رقم: 10509 . كما أن كثيرا من أهل العلم يرون عدم فساد الصوم لمن تعاطى المفطر جاهلا.

وأما قولك : "علي دين كبير صلاة صيام 7 سنوات وهذا يثقل علي جدا " فإن الصلاة والصيام المتروكين عمدا يجب قضاؤهما عند جماهير العلماء، لكن يرى بعض العلماء - كالإمام ابن تيمية - أنه لا يجب ولا يشرع قضاؤهما. كما سبق في الفتوى رقم:68429 .

وقد رخص بعض العلماء في الأخذ بالقول الأسهل عند الحاجة إذا لم يكن ذلك ديدنا؛ كما بيناه في الفتوى رقم: 203266، فإن كان يثقل عليك القضاء، ويوقعك في حرج، فيمكنك الأخذ بالقول بعدم وجوب القضاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني