الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العجب بالنفس من المهلكات

السؤال

لماذا عندما يصبح أي شخص متدينًا أكثر يشعر أحيانًا كأنه معجب بنفسه؟ مع أن هذه في الأصل منة وفضل من الله، توجب على الشخص الانكسار، وشكر النعمة؛ لأن الله أنعم عليه بالتدين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأولًا: لا يصح تعميم هذا القول؛ فإن الأمة لا تخلو من أهل صدق، وتواضع، وإخبات، وخشوع، وكون آفة العجب تعرض لكثير من أهل العلم والعبادة، لا يقتضي تعميمها على الكل.

ثم إن المعجب بنفسه لا يكون من أهل التدين حقًّا، فإن معاصي القلوب أشد قبحًا من معاصي الجوارح.

يقول الغزالي في الإحياء: ومن اعتقد جزمًا أنه فوق أحد من عباد الله، فقد أحبط بجهله جميع عمله؛ فإن الجهل أفحش المعاصي، وأعظم شيء يبعد العبد عن الله، وحكمه لنفسه بأنه خير من غيره جهل محض، وأمن من مكر الله، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وأما أهل التدين حقًّا فعلى النقيض من ذلك.

يقول ابن الجوزي - رحمه الله - في صيد الخاطر: وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك، فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، قالوا: ما عبدناك حق عبادتك، والخليل عليه السلام يقول: "والذي أطمع أن يغفر لي" وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من ينجيه عمله، قالوا ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته.

وأبو بكر - رضي الله عنه - يقول: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.

وعمر - رضي الله عنه - يقول: لو أن لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي، قبل أن أعلم ما الخبر.

وابن مسعود يقول: ليتني إذا مت لا أبعث.

وعائشة - رضي الله عنها - تقول: ليتني كنت نسيًا منسيًا.

وهذا شأن جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع.

ثانيًا: آفة العجب منشؤها عمومًا من الجهل، وقلة العقل، ويتفرع منهما الغفلة عن عيوب النفس وتزكيتها، والوقوف عند النعمة ونسيان المنعم.

قال ابن حزم في الأخلاق والسير: وبالجملة: فكلما نقص العقل توهم صاحبه أنه أوفر الناس عقلاً، وأكمل تمييزاً.

وقال السفاريني في غذاء الألباب: العجب إنما يكون ويوجد من الإنسان لاستشعار وصف كمال، ومن أعجب بعمله استعظمه، فكأنه يمن على الله - سبحانه وتعالى - بطاعته، وربما ظن أنها جعلت له عند الله موضعًا، وأنه قد استوجب بها جزاء، ويكون قد أهلك نفسه، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: «ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه» وربما منعه عجبه من الازدياد، ولهذا قالوا: عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله، وما أضر العجب بالمحاسن، وسبب العجب وعلته الجهل المحض، ومن أعجب بطاعته مثلًا فما فهم أنها بالتوفيق حصلت، فإن قال: رآني أهلا لها فوفقني، قيل له: فتلك نعمة من منه وفضله، فلا تقابل بالإعجاب.

وفي صيد الخاطر لابن الجوزي: إذا تم علم الإنسان لم ير لنفسه عملًا، وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل، ويجب على العاقل ألا يرى لنفسه عملاً، أو يعجب به، وذلك بأشياء:

منها: أنه وفق لذلك العمل "حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم".

ومنها: أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها.

ومنها: أنه إذ لوحظت عظمة المخدوم احتقر كل علم وتعبد.

هذا إذا سلم من شائبة، وخلص من غفلة، فأما والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه.

وقال الغزالي: فإنه لم يشتغل أولًا بتهذيب نفسه، وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات، ولم يرض نفسه في عبادة ربه، فبقي خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم، أي علم كان، صادف العلم من قلبه منزلًا خبيثًا، فلم يطب ثمره، ولم يظهر في الخير أثره.

وراجعي لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 177257 وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني