الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

غيرة المسلم على محارمه وغيرهم مشروعة وليست تشددا ولا غلوا

السؤال

فقدان الثقة بسبب الذنوب: هل يحق لخطيب أن يغار على خطيبته وأهلها؟ وهل يحق له أن يفقد الثقة ببعضهم إذا آذوه مرارا وتكرارا بأمر معين هو من الذنوب عند الله وهو لا يطيقه؟ وما حكم من يطلب من الرجل أن يتنازل عن غيرته كأن يسمح لأمه وأم خطيبته أن تكلم الأجانب على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك؟ وهل تعتبر الغيرة على هؤلاء تشددا في الدين؟ وما حكم من يكلم خطيبته في فيسبوك علما بأنه بعيد عنها، والناس من حولها يتهمونه بتركها مع أنه يكلمها في أمور تهمهما بقدر الحاجة مع مراعاة أنها خطيبته ،ويكون طول الوقت وحيدا ويكلم خطيبته من باب التفاهم على أمور كثيرة تتعلق بحياتهما الزوجية فيما يخص شروط كل منهما في هذا الأمر أو ذاك؟ وما حكم من يكلم النساء وإذا تم تذكيره بالله يقول لا تكلم خطيبتك ويتحجج بهذا على كلامه مع من لا تربطه بهن صلة زواج أو أخوة أو قرابة أو مصاهرة؟ وما حكم من يتعمد أن يضر الخاطب بشتمه بأنه يكلم مخطوبته ويعيره بالنفاق على هذا، وأنه لا يحق له النصح بعد مخاطبة النساء بينما هو يكلم مخطوبته؟ وما حكم من يقول للخاطب اهتم بمخطوبتك وحدها ولا تمنعني أن أكلم أمها أو أختها، فإن ذلك ليس من شأنك؟ وما حكم الخاطب الذي يغار على أهل مخطوبته أن يكلمهم أحد؟ وهل هو متشدد ومتخلف ورجعي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الغيرة في أصلها محمودة، وهي من خصال المؤمنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه. متفق عليه، واللفظ لمسلم.

فالمؤمن يغار من أن تنتهك محارم الله وليست غيرة المؤمن مقصورة على محارمه، والغيرة ليست بتشدد ولا غلو، ومن يطالب المسلم بعدم الغيرة فهو مخالف للشرع مصادم له، ولا ندري ما مقصودك: بفقد الثقة ـ لكن على كل حال، فالمؤمن مأمور بنصح المقصرين وعدم اليأس من هدايتهم واستجابتهم، والشرع قد منع الحديث بين الرجال والنساء الأجنبيات دون حاجة، لما قد يؤدي إليه من الفتنة، كما بيناه في الفتوى رقم: 111850.

والمخطوبة في ذلك كغيرها، فهي أجنبية عن الخاطب، ولا يجوز الحديث معها إلا للحاجة ومصلحة الزواج، ودون خضوع بالقول، وانظر في هذا الفتوى رقم: 114427.

والمُنكِر للحديث المحرم بين الرجال والنساء الأجنبيات ليس متشددا ولا متخلفا ولا رجعيا، ومتى كان التحدث مع المخطوبة مباحا فلا وجه لإنكاره على الخاطب، وإن كان من الحديث المحرم فصحيح أنه مسيء إن خالف فعله نصحه، وليس هذا من شأن المؤمن، كما قال سبحانه منكرا على بني إسرائيل: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {البقرة:44}.

وقال الله تعالى على لسان شعيب عليه السلام: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ{هود:88}.

لكن المنصوح لا ينبغي له أن يكابر وأن يرد النصيحة لتقصير الناصح، كما قال الخليل بن أحمد:
اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري.

وانظر الفتوى رقم: 18468.

وكذلك لا يجوز تعيير المسلم بالنفاق، فقد جاء في الصحيحين من حديث عتبان في حديث طويل: فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله، يريد بذلك وجه الله... الحديث.

قال ابن رجب في فتح الباري: وفي قوله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تقل ذلك ـ نهي أن يرمى أحد بالنفاق لقرائن تظهر عليه، وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجري على المنافقين أحكام المسلمين في الظاهر، مع علمه بنفاق بعضهم، فكيف بمسلم يرمى بذلك بمجرد قرينة؟. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني