الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب ستر المسلم على نفسه لو وقع في الفاحشة وترخيص الكذب لأجله

السؤال

عندي سؤالان:
الأول: شخص زنى في الماضي ونتج ولد عن الزنى، ومخطوبته تسأله عن ماضيه، فماذا يفعل؟ وهل يخبرها عن فعله وعن ولد الزنى؟ أم يستر نفسه ولا يخبرها؟ وهل إخفاء هذا عنها غش لها أم لا؟.
الثاني: والد مخطوبته يريد معرفة إذا كان قد زنى قبل التقدم لابنته أم لا، فهل يجوز له الستر، لأن ذلك قد يحرمه الزواج منها وسيؤدي لرفض والدها لهذا الزواج ولرفض الفتاة أيضا؟ وهل يجوز الكذب والإنكار لستر كل هذا بما فيه ستر وجود ولد الزنى.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لهذا الرجل أن يخبر خطيبته أو أباها أو غيرهما بما وقع فيه من الفاحشة، ولا بالولد من الزنا، فإنّ ولد الزنا لا ينسب للزاني، وليس هذا غشاً أو خداعاً، بل هذا هو الواجب عليه مع التوبة إلى الله عز وجل، حتى وإن كان عند السؤال لم يتب من الفواحش فلا يجوز له ذكرها، بل يجب عليه الستر والتوبة في الحال، فقد جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب: قَالَ الْبَارِزِيُّ: وَلَوْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ فِيهِ وَجَبَ ذِكْرُهُ لِلزَّوْجَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا يُقَلِّلُ الرَّغْبَةَ فِيهِ، وَلَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ كَسُوءِ الْخُلُقِ وَالشُّحِّ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِي الْحَالِ وَسِتْرُ نَفْسِهِ وَلَا يَذْكُرُهُ.

ولا ريب في كون الزنا من أفحش الذنوب ومن أكبر الكبائر، فالواجب على من وقع في الزنا أن يبادر بالتوبة إلى الله توبة صادقة، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود إليه، والواجب على هذا الرجل أن يستر على نفسه ولا يفضحها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:... أَيُّهَا النَّاسُ: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.

قال ابن عبد البر رحمه الله: وفيه أيضا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا أتى فاحشة.

ولو اضطر إلى الكذب ليستر على نفسه، فلا حرج عليه حينئذ، فقد جاء في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب عند ذكر الأمور التي رخص في الكذب فيها: فَهَذَا مَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَكَذِبِهِ لِسَتْرِ مَالِ غَيْرِهِ عَنْ ظَالِمٍ وَإِنْكَارِهِ الْمَعْصِيَةَ لِلسَّتْرِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يُجَاهِرْ الْغَيْرُ بِهَا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني