الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

آفات ومحاذير الكره الطبعي وعلاجه

السؤال

تقدم لي شاب واتفق على الخطبة مع أهلي وتم وعده لي بسفري للعمرة بدلا من عمل حفل زفاف، لحزنه على وفاة أخيه ـ المتوفى منذ عامين ـ فقبلت، ولكنه في يوم الخطبة قال إنه لا يستطيع لأنه وعد أخاه الثاني بعمرة في العشر الأواخر من رمضان ولا يستطيع عدم الوفاء له على أن يقوم بعمل عمرة معي عند توفر المال، ولما أخبرته أن سفري معهم في أي موسم للعمرة سيقلل التكاليف، أجاب بأن أخاه لن يتنازل عن عمرة في آخر رمضان، فقبلت، ولكنني أشعر في نفسي بكراهية لذلك فأرى أنه يلبي طلب أخيه كاملا من ماله المدخر للزواج في حين أن وعده لي قد ألغي أو أجل كاملا وحتى يستطيع تلبيته يحتاج إلى فترة لتجميع المال ـ ولا أعلم الغيب ـ فهل سأكون بمفردي أم معي أطفال؟ وتزداد النفقة فيلغي الأمر تماما، مع العلم أن تكلفة سفري معه في أي موسم عمرة أقل من تكلفة سفره هو بمفرده في آخر رمضان، هذا غير تكاليف سفر أخيه، فهل كرهي لذلك وإحساسي بالظلم لحرماني من فرحة الزفاف وتفضيل أخيه علي وعدم إرضائنا بما هو مستطاع من حل وسط لنا مكروه؟ وماذا أفعل كى يزول هذا الإحساس؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنريد أن ننبه أولا إلى أنه لم يتضح لنا من السؤال ما إذا كان عقد الزواج بين السائلة وبين خطيبها قد تم بالفعل، أم أنه ما زال في مرحلة الخطبة، وكان ينبغي توضيح ذلك، لأن العقد إذا لم يكن قد وقع بعدُ فإنها تعتبر أجنبية على الخاطب، فلا يجوز أن تسافر معه ولا أن يخلو بها، وغير ذلك... مما قد يقتضي الجواب ذكره على كل تقدير من التقديرين.

وعلى أية حال.. فكره الإنسان لما فاته من خير أمر طبعي جبلي لا يؤاخذ عليه لعدم دخوله تحت اختياره، ولكنه ينبغي أن يتنبه للآتي:

1ـ أن يحذر من قلب الكره الطبعي إلى كره شرعي، مما يؤدي إلى اتهام الناس بظلمه، ومطالبتهم بحقه بغير وجه شرعي، فإن الإنسان قد يكره بطبعه ما أوجبه الله بشرعه، كما قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ {البقرة:216}.

2ـ أن يحذر من الوقوع في الكره المحرم شرعا وهو أن يكره قضاء الله، ففرق بين كره القضاء وكره المقضي، قال القرافي في الفروق مختصرا: اعْلَمْ أَنَّ السَّخَطَ بِالْقَضَاءِ حَرَامٌ إِجْمَاعًا، وَالرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَاجِبٌ إِجْمَاعًا بِخِلاَفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ... فَعَلَى هَذَا إِذَا ابْتُلِيَ الإْنْسَانُ بِمَرَضٍ فَتَأَلَّمَ مِنَ الْمَرَضِ بِمُقْتَضَى طَبْعِهِ، فَهَذَا لَيْسَ عَدَمَ رِضَا بِالْقَضَاءِ، بَل عَدَمَ رِضَا بِالْمَقْضِيِّ، وَنَحْنُ لَمْ نُؤْمَرْ بِأَنْ تَطِيبَ لَنَا الْبَلاَيَا وَالرَّزَايَا وَمُؤْلِمَاتُ الْحَوَادِثِ، وَلَمْ تَرِدَ الشَّرِيعَةُ بِتَكْلِيفِ أَحَدٍ بِمَا لَيْسَ فِي طَبْعِهِ.

3ـ أن يحذر من الوقوع في كره إنعام الله على الغير والحسد، فهذا من الكره المحرم شرعا، جاء في الموسوعة الفقهية: وَقَدْ يَكُونُ الْكُرْهُ حَرَامًا كَكُرْهِ الإْسْلاَمِ أَوِ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الصَّحَابَةِ ـ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ـ أَوِ الصَّالِحِينَ، وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ كَرَاهَةُ النِّعْمَةِ عِنْدَ الْغَيْرِ، وَحُبُّ زَوَالِهَا عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ.
4ـ أن كرم الله عز وجل وفضله لا يتوقف على القدرة المالية، فلو صدقتْ في نيتها، وأخذت بما تيسر لها من أسباب العمرة مخلصة في ذلك لله، ولم تتمكن من الفعل كتب الله لها أجر العمرة كاملة فضلا منه وتكرما، وهو ما فصلنا أدلته في الفتوى رقم: 116814.
6ـ أن رضاها بما قدر الله لها وصبرها ـ ابتغاء مرضاة الله ـ على ما فاتها من حفلة الزفاف ـ رغبة في أجر العمرة وفضلها ـ خير لها، لأنها آثرت الآخرة على الدنيا، ولأن الصبر أجره غير محدود عند الله تعالى، قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ {الزمر:10}.

وللمزيد في تقرير فضل الصبر تنظر الفتوى رقم: 145901.

فإذا أدركت السائلة ما ذكرناه من تنبيهات كان ذلك كفيلا بتخفيف ما في نفسها من المشاعر السلبية إن شاء الله.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني