الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقرب إلى العشق لا إلى الحب في الله، ومعنى: من أحب شيئا غير الله عذب به

السؤال

أنا طالبة أدرس في مدرسة لتحفيظ القرآن وحلمي أن أصبح معلمة قرآن، وكانت همتي عالية، ومنذ فترة أصبحت كثيرة الحزن وأشعر بأن همتي تضعف شيئا فشيئا، والسبب هو أنني أشعر أحيانا بأن الله غير راض عني وأنه لن يوفقني، لأنني على ذنب كلما تبت إلى الله منه عدت إليه، وهذا الذنب هو أنني كثيرا ما أفكر في صديقاتي ومعلمتي وأشتاق إليهن كثيرا عند غيابنا لدرجة أنني أفكر فيهن أحيانا وأنا أصلي
ويمر الوقت علي أحيانا في التفكير، وأقول في نفسي هذه ليست محبة في الله وأتوب وأعزم على عدم العودة ثم أعود وهكذا، فماذا أفعل بارك الله فيكم؟ فأنا حزينة والاختبارات قد قربت ولا أريد أن يشغلني شيء كهذا عن خدمة كتاب الله، وتراودني أسئلة كثيرة، فهل التفكير والاشتياق في من أحب ذنب قد يعاقبني الله عليه؟ فأنا أسمع أن من أحب شخصا محبة ليست في الله فإنه يعذب بمن يحب، وهل معاودة الذنب استهانة بالتوبة مع علمي بأن من شروطها العزم على عدم العودة؟ أرجو منكم الدعاء لي بأن يوفقني الله لما يحب ويرضى ويحقق لي ما أتمنى.
وبارك الله فيكم ونفع بكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله سبحانه أن يصلح حالك، وأن يبلغك ما تتمنينه مما يحب ويرضى، وأن يجعلك من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وقد سبق الكلام على الحب في الله في الفتوى رقم: 52433، ومن ضوابطه أن يزيد حبك للشخص إذا زادت طاعته لله، وأن يقل إذا خالف أمر الله، وإذا حصل تعارض بين محبوب الله جل وتعالى ومحبوب ذلك الشخص فإنك تقدمين مرضاة الله على من سواه.

وأما ما تصفينه في السؤال: فالظاهر أنه ليس حبا في الله، وإنما هو إلى العشق أقرب، فإن كان ذلك النوع من الحب قد حدث بتسبب منك، فإنك تأثمين بذلك، أما إن كان بغير تسبب منك، فإنك تعذرين في ذلك، إلا أنه تجب عليك مجاهدة نفسك لصرف تفكيرك عن هؤلاء الصديقات، وننصحك بالتقليل من التواصل معهن بقدر الإمكان، والانشغال بما يعود عليك بالخير في أمر دينك ودنياك، وأن يكون قلبك عامرا بحب الله تعالى، فإن محبة الله تعالى إذا تغلغلت في عروق العبد وأوصاله، فإنها تحرق محبة ما سواها في قلبه، وتقطع علائقه بغير مولاه، والعشق إنما يتمكن من القلوب الفارغة من حبه جل وعلا، وراجعي لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 8424، 114909، 163863، وإحالاتها.

وأما مقولة: من أحب شيئا غير الله عذب به ـ فالمراد بها عذاب القلب، يقول ابن القيم رحمه الله: فإن من أحب شيئا غير الله عذب به ولا بد، كما قيل:
فما في الأرض أشقى من محب * وإن وجد الهوى حلو المذاق
تراه باكيا في كل حين مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن ناؤا شوقا إليهم * ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند الفراق ... وتسخن عينه عند التلاق
والعشق وإن استلذ به صاحبه فهو من أعظم عذاب القلب. اهـ.

وانظري الفتوى رقم: 72726.

ولا شك أن من شروط التوبة الصحيحة العزم على عدم العودة، إلا أن هذا لا يستلزم بالضرورة عدم الوقوع في الذنب بعد ذلك مطلقا، وقد اختلف العلماء في هل يبطل الذنب التوبة المتقدمة أم لا، والأرجح أنه لا يبطلها، وانظري الفتاوى التالية أرقامها: 206719، 161437، 97790.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني