الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم لعب الملاكمة من أجل القوة والدفاع عن النفس

السؤال

قرأت وسمعت أن الملاكمة حرام, والألعاب القتالية العنيفة محرمة أيضاً, ولكن الذي يلعبها يصبح أقوى من الذي لا يلعبها، ويستطيع الدفاع عن نفسه أكثر, والمسلمون أولى بالقوة والقدرة على الدفاع عن النفس.
فما هو السبيل ليصبح المؤمن هو الأقوى، والقادر على الدفاع عن نفسه من غير أن يلعب هذه الألعاب؟ فمثلاً: لا يمكن الفوز على بطل الملاكمة في الشارع، أو في الحرب إلا إذا تدرب الإنسان مثله أو أكثر.
فما هو الحل؟
وجزيتم خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن ممارسة الملاكمة بالطريقة المشهورة اليوم، ونحوها من الألعاب القتالية التي يكون فيها ضرر وإضرار بالخصم لا يقره شرع ولا عقل.
وإذا سلمت الملاكمة وغيرها من الألعاب القتالية، من المحاذير الشرعية كإيقاع الضرر بالنفس أو بالغير، أو تضييع الصلاة، وكشف العورة، وكان الغرض منها تقوية البدن، والدفاع عن النفس، فتكون حينئذ مباحة.

فقد جاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: المصارعة الحرة، والملاكمة ونحوها حرام؛ لما تحدثه من أضرار في حياة الإنسان أو الحيوان، والدين الإسلامي يمنع مثل هذه الألعاب المنحرفة؛ لأن فيها خرقاً سافراً لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا قاتل أحدكم فليتجنب الوجه. رواه البخاري من حديث أبي هريرة. فإن لم يكن في الملاكمة أو المصارعة ضرر بأحد الطرفين، كانت مباحة، وكذلك تباح إن كان فيها تعويد الإنسان على القوة، والقتال، والدفاع عن النفس، وقد صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم رُكانة وغلبه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 119375، وما أحيل عليه فيها.
ونحن إذ نشكر للسائل حرصه، وغيرته على المسلمين، وما يجب أن يكونوا عليه من القوة والشجاعة، نذكّره بأن قوة البدن وحدها لا تكفي، بل لا بد من قوة القلب معها؛ فإن مدار الشجاعة عليها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الاستقامة: وَقد ذكر الْجِهَاد بِالنَّفسِ، وَالْمَال فِي سَبيله، ومدحه فِي غير آيَة من كِتَابه، وَذَلِكَ هُوَ الشجَاعَة، والسماحة فِي طَاعَته سُبْحَانَهُ، وَطَاعَة رَسُوله. وملاك الشجَاعَة الصَّبْر، الَّذِي يتَضَمَّن قُوَّة الْقلب وثباته؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين} سُورَة الْبَقَرَة: 249. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تفلحون واطيعوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إن الله مَعَ الصابرين} سُورَة الانفال: 45 - 46.

والشجاعة لَيست هِيَ قُوَّة الْبدن، فقد يكون الرجل قوي الْبدن، ضَعِيف الْقلب وإنما هِيَ قُوَّة الْقلب وثباته، فَإن الْقِتَال مَدَاره على قُوَّة الْبدن وصنعته لِلْقِتَالِ، وعَلى قُوَّة الْقلب وخبرته بِهِ. والمحمود مِنْهُمَا مَا كَانَ بِعلم، وَمَعْرِفَة دون التهور الَّذِي لَا يفكر صَاحبه، وَلَا يُمَيّز بَين الْمَحْمُود والمذموم؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقوي الشَّديد هُوَ الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب حَتَّى يفعل مَا يصلح دون مَا لَا يصلح، فَأَما المغلوب حِين غَضَبه، فَلَيْسَ هُوَ بِشُجَاعٍ، وَلَا شَدِيد. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني