الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: يمشون على الأرض هونا

السؤال

هل من تعارض بين قوله تعالى: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا. وبين ما نقل عن عمر-رضي الله عنه-أنه إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن صفات عباد الرحمن الأبرار أنهم يمشون هونا، كما جاء في هذه الآية, والمقصود بهذه الصفة المشي بسكينة، ووقار بعيدا عن المشي بتكبر, وخيلاء، وهذا لا ينافي الإسراع في المشي الذي كان عمر- رضي الله عنه- يفعله, ويحث عليه.

فقد جاء في تفسير ابن كثير: هذه صفات عباد الله المؤمنين: {الذين يمشون على الأرض هونا} أي: بسكينة ووقار من غير جبرية، ولا استكبار، كما قال: {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء: 37] . فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار، ولا مرح، ولا أشر، ولا بطر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى من التصانع تصنعا، ورياء، فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له. وقد كره بعض السلف المشي بتضعف، وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. فعلاه بالدرة، وأمره أن يمشي بقوة. وإنما المراد بالهون هاهنا السكينة والوقار، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا. انتهى.

وفي التحرير والتنوير لابن عاشور: والمشي الهون: هو الذي ليس فيه ضرب بالأقدام، وخفق النعال، فهو مخالف لمشي المتجبرين، المعجبين بنفوسهم، وقوتهم. وهذا الهون ناشئ عن التواضع لله تعالى، والتخلق بآداب النفس العالية، وزوال بطر أهل الجاهلية. فكانت هذه المشية من خِلال الذين آمنوا، على الضد من مشي أهل الجاهلية. انتهى.

وفي تفسير ابن باديس: ليس من الهون في المشي التثاقل، والتماوت فيه. وروي أن عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- قال لجماعة رآهم كذلك: «لا تميتوا علينا ديننا، أماتكم الله». وأن عائشة-رضي الله عنها-، رأت قوماً يتماوتون، فسألت عنهم؛ فقيل لها: هؤلاء قوم من القراء. فقالت: لقد كان عمر من القراء، وكان إذا مشى أسرع، وإذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع. وكان مشيه- رضي الله عنه- إلى السرعة خلقة لا تكلفاً. والخير في الوسط. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني