الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من حلف بالله وآياته وأن يفعل أمرا محرما عند الكعبة إذا سافر

السؤال

ما حكم من حلف بالله ثم أخلف؟ فقبل ستة أشهر سافرت وقبل أن أسافر قلت لزوجتي والله وبالله وآياته وكتبه وأني لا حول ولا قوة إلا بالله أزني بأمي عند الكعبة إذا سافرت مرة ثانية، ولكنني سافرت ولم أف بوعدي، فما حكم الله؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فعليك أن تكفر عن هذه الأيمان كفارة واحدة، لأن تعددها في شيء واحد للتأكيد عليه يجعلها كفارة واحدة، قال ابن أبي زيد المالكي في الرسالة: وليس على من وكّد اليمين فكررها في شيء واحد غير كفارة واحدة.

والحلف بآيات الله، وكتبه، لا يلزم به إلا كفارة واحدة في الأصح، قال ابن قدامة في المغني: ومن حلف بحق القرآن لزمته بكل آية كفارة يمين، نص على هذا أحمد، وهو قول ابن مسعود، والحسن، وعنه، أن الواجب كفارة واحدة، وهو قياس المذهب، ومذهب الشافعي، وأبي عبيد، لأن الحلف بصفات الله كلها، وتكرر اليمين بالله سبحانه، لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فالحلف بصفة واحدة من صفاته أولى أن تجزئه كفارة واحدة... ويحتمل أن كلام أحمد، في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه، فإنه قال: عليه بكل آية كفارة، فإن لم يمكنه فكفارة واحدة، ورده إلى واحدة عند العجز دليل على أن ما زاد عليها غير واجب... ولأنها يمين واحدة، فلم توجب كفارات، كسائر الأيمان، ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضي إلى المنع من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، لأن من علم أنه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها ترك المحلوف عليه كائنا ما كان، وقد يكون برا وتقوى وإصلاحا، فتمنعه منه، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس {البقرة: 224} وإن قلنا بوجوب كفارات بعدد الآيات فلم يطق، أجزأته كفارة واحدة، نص عليه أحمد. انتهى.

ويمينك بالصيغة التي ذكرتها يعد من نذر اللجاج، جاء في الروض المربع: الثاني ـ نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق نذره بشرط يقصد المنع منه، أي من الشرط المعلق عليه، أو الحمل عليه، أو التصديق، أو التكذيب، كقوله: إن كلمتك أو إن لم أضربك، أو إن لم يكن هذا الخبر صدقا، أو كذبا فعلي الحج، أو العتق ونحوه، فيخير بين فعله وبين كفارة يمين.

وجاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية رحمه الله: وأما نذر اللجاج والغضب، فقصد الناذر أن لا يكون الشرط ولا الجزاء: مثل أن يقال له: سافر مع فلان، فيقول: إن سافرت فعلي صوم كذا وكذا أو علي الحج، فمقصوده أن لا يفعل الشرط ولا الجزاء، وكما لو قال: هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا، أو إن فعل كذا فهو كافر ونحو ذلك، فإن الأئمة متفقون على أنه إذا وجد الشرط، فلا يكفر، بل عليه كفارة يمين عند أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه.... انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 113113، وقد بينا فيها أن الواجب في نذر اللجاج هو أحد أمرين هما: الوفاء بما التزم كما هو، أو الكفارة عنه كفارة يمين.

وحيث إن المنذور أمر محرم وهو الزنا بأمه، فلا يجوز الوفاء به، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الْمَنْذُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ. انتهى.

فالواجب عليك كفارة يمين، ومع ذلك يجب عليك التوبة، فما قلته هو منكر من القول وزور، فاتق الله، وتب إليه، ولا تعد إلى تلك الألفاظ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني