الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل جملة "أقسمت عليك" تعد يمينًا أم لا؟ وهل يجوز صوم الكفارة عن الحي؟

السؤال

أمي امرأة ضعيفة تجد مشقة في الصوم، رغم أنها ما زالت تصوم رمضان -ولله الحمد- وقد أقسمت عليّ قسمًا يبدو أنها نسيته، وأصبحت تأمرني بخلاف مضمونه، وأخشى إن ذكّرتها أن تتكلف الصيام فينهكها ذلك، فهل يجوز لي الصيام نيابة عنها من أجل التكفير عن يمينها؟ وهل عبارة: "أقسمت عليك" تعد يمينًا؟ فأمي تكثر من استخدامها أحيانًا، أفتوني -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد تعددت أقوال الفقهاء في جملة: "أقسمت عليك" هل تعد يمينًا أم لا؟ قال الحافظ ابن حجر في الفتح مبينًا أقوالهم في هذا: قَالَ ابْن الْمُنْذِر: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ: أَقْسَمْتُ بِاَللَّهِ، أَوْ أَقْسَمْتُ مُجَرَّدَة، فَقَالَ قَوْم:

1) هِيَ يَمِين وَإِنْ لَمْ يَقْصِد، وَمِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ اِبْن عُمَر، وَابْن عَبَّاس، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْكُوفِيُّونَ.

2) وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا تَكُون يَمِينًا إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ.

3) وَقَالَ مَالِك: أَقْسَمْت بِاَللَّهِ يَمِينًا، وَأَقْسَمْت مُجَرَّدَة لَا تَكُون يَمِينًا إِلَّا إِنْ نَوَى.

4) وَقَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيّ: الْمُجَرَّدَة لَا تَكُون يَمِينًا أَصْلًا وَلَوْ نَوَى، وَأَقْسَمْت بِاَللَّهِ إِنْ نَوَى تَكُون يَمِينًا.

5) وَقَالَ إِسْحَاق: لَا تَكُون يَمِينًا أَصْلًا.

6) وَعَنْ أَحْمَد كَالْأَوَّلِ، وَعَنْهُ كَالثَّانِي، وَعَنْهُ إِنْ قَالَ: قَسَمًا بِاَللَّهِ فَيَمِينٌ جَزْمًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِير أَقْسَمْت بِاَللَّهِ قَسَمًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: آليتُ بِاَللَّهِ. اهـــ

وعلى قول الأكثرين، وقول مالك، فإن لفظة: أقسمت عليك هكذا مجردة من لفظ الجلالة لا تكون يمينًا إلا بالنية، وعند الشافعي ليست يمينًا ولو مع النية، والأقرب أنها يمين بالنية، فإذا نوت أمك بها اليمين، وأقسمت عليك بفعل شيء أو تركه وخالفته لزمتها كفارة يمين؛ لأن من حلف على غيره وحَنَّثَهُ لزمت الحالفَ كفارةُ يمين، كما بيناه في الفتوى رقم: 262675.

وكفارة اليمين لا تبدأ بالصيام، بل العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم تجد انتقلت إلى صيام ثلاثة أيام، ولا يصح أن تصوم بدلًا عنها؛ لأنه لا يُصام عن الحي، قال الماوردي الشافعي في الحاوي: أَمَّا الصِّيَامُ عَنِ الْحَيِّ ، فَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا بِأَمْرٍ، أَوْ غَيْرِ أَمْرٍ، عَنْ قَادِرٍ، أَوْ عَاجِزٍ. اهــ.

وأما كونها تأمرك بما يقتضي خلاف يمينها: فإذا أمرتك بذلك فأخبرها بأنها أقسمت عليك بخلافه، وخيِّرها بين أن تفعل ما أمرتك به وتحنث حينئذ، وبين أن لا تفعل وتحفظ يمينها من الحنث، ثم افعل ما تقرره.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني