الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

للشيطان مداخل دقيقة لا يكاد يسلم منها إلا من سلمه الله

السؤال

إذا تكلم الشخص عن نفسه، وفشا أمره بين الناس، فهل لي أن أتكلم عنه رغم أن الأمر الذي فعله في ظنه حسن، وفي ظني سيء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس من شك أن الغيبة محرمة، وهي خلق ذميم تأباه النفوس السليمة، والفطر المستقيمة، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتًا، فقال سبحانه: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ {الحجرات: 12}.
كما جاءت السنة بذمها والتحذير من فعلها، وعدها كثير من العلماء من الكبائر، ولا تباح الغيبة إلا لغرض محمود كالجرح والتعديل لرواة الحديث، وكبيان حال المجاهرين بالفسق، ونحو ذلك على ما بيناه في الفتوى رقم: 6710.
فإذا كان هذا الشخص قد جاهر بفسقه، فيجوز لك غيبته للتحذير منه، ومن فسقه، وأما ذمه في غيبته بحجة أنه يظن أن فعله حسن، فلا يجوز، وذلك أن الإنسان يكره أن يُذَم ولو بشيء مباح.
وعلى المسلم أن يراقب نفسه عند كلامه في الآخرين ولو كان الباعث عليه الغيرة على الدين والغضب لله، فإن للشيطان مداخل دقيقة لا يكاد يسلم منها إلا من سلمه الله، وقد نبه على هذه المداخل الخفية أبو حامد الغزالي -رحمه الله- فقال: وأما الأسباب الثلاثة التي هي في الخاصة، فهي أغمضها وأدقها؛ لأنها شرور خبأها الشيطان في معرض الخيرات، وفيها خير ولكن شاب الشيطان بها الشر:

الأول: أن تنبعث من الدين داعية التعجب في إنكار المنكر والخطأ في الدين؛ فيقول: ما أعجب ما رأيت من فلان؟! فإنه قد يكون به صادقا، ويكون تعجبه من المنكر، ولكن كان حقه أن يتعجب ولا يذكر اسمه؛ فيسهل الشيطان عليه ذكر اسمه في إظهار تعجبه، فصار به مغتابا وآثما من حيث لا يدري. ومن ذلك قول الرجل: تعجبت من فلان، كيف يحب جاريته وهي قبيحة؟ وكيف يجلس بين يدي فلان وهو جاهل؟

الثاني: الرحمة؛ وهو أن يغتم بسبب ما يبتلي به، فيقول: مسكين فلان قد غمني أمره وما ابتلي به. فيكون صادقا في دعوى الاغتمام، ويلهيه الغم عن الحذر من ذكر اسمه، فيذكره فيصير به مغتابا، فيكون غمه ورحمته خيرا، وكذا تعجبه, ولكن ساقه الشيطان إلى شر من حيث لا يدري، والترحم والاغتمام ممكن دون ذكر اسمه، فيهيجه الشيطان على ذكر اسمه ليبطل به ثواب اغتمامه وترحمه.

الثالث: الغضب لله تعالى؛ فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان إذا رآه أو سمعه، فيظهر غضبه ويذكر اسمه، وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يظهره على غيره، أو يستر اسمه ولا يذكره بالسوء.

فهذه الثلاثة مما يغمض دركها على العلماء فضلا عن العوام، فإنهم يظنون أن التعجب والرحمة والغضب إذا كان لله تعالى كان عذرا في ذكر الاسم، وهو خطأ، بل المرخص في الغيبة حاجات مخصوصة لا مندوحة فيها عن ذكر الاسم. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 28705، 9570.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني