الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حديث النفس بأن ما أصابه كان بإرادة الله وأنه ابتلاه لينظر أيطيع أم لا

السؤال

أحيانا عندما يحدث موقف ما أمامي وأريد أن أتصرف فيه تصرفا غير مخالف للشرع (على الأقل أظنه كذلك)، فأحدث نفسي بالآتي :
1- أقول: إن هذا الأمر ما وقع إلا بإرادة الله.
2- أقول: لعل الله أوقعه لحكمة، منها: أن يبتليك في هذا الموقف أتفعل كذا (وأذكر الشيء المخالف) أم لا؟
فأتجنب, فهل هذا الذي أُحدث به نفسي أمر مبتدع؟ ولو كان كذلك فما بديله من السنة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كل ما يجري في هذا الكون هو بقضاء الله تعالى وقدره، كما دلت على ذلك نصوص الوحي من القرآن والسنة؛ فقد قال الله تعالى:إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}، وقال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا {الفرقان:2}.

وفي صحيح مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. وقال صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس. أخرجه البخاري.

وقد تقدم لنا بالفتوى رقم: 263371 أن الابتلاء يكون بالأحكام الشرعية كالأوامر والنواهي، وهل يعمل الشخص بالشرع امتثالًا واجتنابًا أم لا؟ كما قال تعالى إخبارًا عن سليمان:فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ {النمل: 40}.

وفي الحديث: إن المؤمن خلق مفتنًا توابًا نسيًّا، إذا ذُكِّر ذَكَر. رواه الطبراني، وصححه الألباني.

قال المناوي: مفتَّنًا: أي: ممتحنًا يمتحنه الله بالبلاء، والذنوب، مرة بعد أخرى، والمفتن الممتحن الذي فتن كثيرًا، توابًا نسيًّا إذا ذكر ذكر: أي: يتوب، ثم ينسى فيعود، ثم يتذكر فيتوب، هكذا يقال: فتنه يفتنه إذا امتحنه. اهـ.

وقال ابن القيم في طريق الهجرتين: الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان، أو بعضها، ولو لم يخلق فيه هذه الدواعي لم يكن إِنسانًا، بل ملكًا، فالذنب من موجبات البَشرية، كما أن النسيان من موجباتها، ولا يتم الابتلاءُ والاختبار إلا بذلك. اهـ.

وقال في مفتاح دار السعادة: هاتان القوتان فيه بمنزلة صفاته الذاتية لا ينفك عنهما، وبهما وقعت المحنة والابتلاء، وعرض لنيل الدرجات العلى، واللحاق بالرفيق الأعلى، والهبوط إلى أسفل سافلين، فهاتان القوتان لا يدعان العبد حتى ينيلانه منازل الأبرار، أو يضعانه تحت أقدام الأشرار، ولن يجعل الله من شهوته مصروفة إلى ما أعد له في دار النعيم، وغضبه حمية لله، ولكتابه، ولرسوله، ولدينه، كمن جعل شهوته مصروفة في هواه، وأمانيه العاجلة، وغضبه مقصور على حظه، ولو انتهكت محارم الله وحدوده، وعطلت شرائعه وسننه، بعد أن يكون هو ملحوظًا بعين الاحترام، والتعظيم، والتوقير، ونفوذ الكلمة، وهذه حال أكثر الرؤساء ـ أعاذنا الله منها ـ فلن يجعل الله هذين الصنفين في دار واحدة، فهذا صعد بشهوته وغضبه إلى أعلى عليين، وهذا هوى بهما إلى أسفل سافلين، والمقصود: أن تركيب الإنسان على هذا الوجه هو غاية الحكمة، ولا بد أن يقتضي كل واحد من القوتين أثره، فلا بد من وقوع الذنب، والمخالفات, والمعاصي، ولا بد من ترتب آثار هاتين القوتين عليهما، ولو لم يخلقا في الإنسان لم يكن إنسانًا، بل كان ملكًا، فالترتب من موجبات الإنسانية. اهـ.

وبناء عليه؛ يُعلم أنه لا حرج عليك فيما تحدث به نفسك من أن هذا الأمر ما وقع إلا بإرادة الله، ومن استشعار الابتلاء في أي حال، وهل تطيع الله في تلك الحال أم لا؟ ولا سيما إن كان ذلك يساعدك على البعد عن المعاصي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني