الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشريعة الإسلامية تحرم الاعتداء بكل أنواعه وصوره

السؤال

يحسن بي قبل أن أتوجة إليكم بالسؤال عن هذه الجريمة أن أعرفها لحضرتكم وفقا لما جاءت به الاتفاقية الدولية لسنة 1949 التي جاء في نص المادة الثانية منها أنه" يقصد بإبادة الجنس في هذه الاتفاقية أي فعل من الأفعال الآتية يرتكب بقصد القضاء كلا أو بعضا على جماعة بشرية بالنظر إلى صفتها الوطنية أو الإثنية أو الجنسية أو الدينية:ا- قتل أعضاء هذه الجماعة.ب-الاعتداء الجسيم على أفراد هذه الجماعة بدنيا أو نفسيا.ج- إخضاع الجماعة إلى ظروف معيشية من شأنها القضاء عليها ماديا أو معنويا.د- اتخاذ وسائل من شأنها إعاقة التناسل داخل هذه الجماعة.ه- نقل الصغار قسرا من جماعة إلى جماعة أخرى.أي أن هذه الجريمة ترتكب بقصد حرمان حق الوجود للجماعات سالفة الذكر، نأمل من حضرتكم بيان حكم هذه الجريمة في فقه وشريعة الإسلام ؟ وجزاكم الله خيراً...

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فكل ما ذكر في السؤال من الاعتداءات محرم في شريعة الإسلام سواء قُصِد به إبادة الجنس أم لم يُقْصَد، فالقتل منهي عنه بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام:151].
وكذلك الاعتداء على الأبدان بالضرب، أو الأعراض بالهتك، أو الأموال بالسلب والنهب.. ونحو ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.... رواه البخاري.
ويدخل في الحرمة أيضاً تدبير الخطط والمكائد بقصد إضعاف الشعوب وإذلالها والقضاء عليها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.
أما عن إعاقة التناسل بقصد الإقلال من عدد الشعوب والجماعات، فهو ممنوع شرعاً لأنه من الإفساد الذي ذم الله تعالى الساعين فيه، قال الله عز وجل: وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77].
وقال الله تعالى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205].
وقد مضى بيان حكم تحديد النسل ولو رضيت به الجماعات في الفتوى رقم:
636 - والفتوى رقم: 3149.
وستدرك مما سبق حرمة هذا الفعل إذا خططت له الدول أو الهيئات، ويلحق ما سبق في الحرمة التفريق بين الأبناء وآبائهم، أو نقل الناس من أوطانهم دون رغبة منهم ولو كانوا كباراً، فقد عد الله تعالى الإخراج من الديار نوعاً من أخطر أنواع الاضطهاد والحرب غير المشروعة، فقال الله عز وجل: ... وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة:217].
وقال الله تعالى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [الحج:40].
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين الطيور والحيوانات وأبنائها! فكيف بالتفريق بين بني آدم الذين هم من أكرم مخلوقات الله تعالى؟! روى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كُنّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأيْنَا حُمّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتْ الْحُمّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ فَجّعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا، رُدّوا وَلْدَهَا إلَيْهَا.... وصححه الألباني، والحمرة نوع من الحمام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من فرق بين والدة وولدها فرق بينه وبين أحبته يوم القيامة. رواه أحمد والترمذي والدارمي، وإسناده حسن أو صحيح.
والحاصل أن الشريعة الإسلامية تحرم الاعتداء بكل أنواعه وصوره، ولذلك شرع الله الحدود، كقطع يد السارق، والقصاص من القاتل، وجلد الزاني البكر، ورجم الزاني المحصن، ونحو ذلك مما هو معلوم، ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
3642.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني