الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج داء العجب بالأعمال

السؤال

أول شيء عند الإجابة على سؤالي أرجو عدم تحويلي إلى فتاوى سابقة، فأرجو أن تكون الإجابة على السؤال بالتفصيل، وجزاكم الله خيرا.
يقول شخص أعرفه أنه يعاني من داء الكبر ويحاول التخلص منه، فهو يريد أن يكون عبداً لله متواضعاً، ويقول إنه سمع من شخص أن من علاج الكبر ترك ما يؤدي إلى الكبر.
ولكن هو رزقه الله الصوت الجميل، فهو أحياناً يقرأ على الناس القرآن ويجد في قلبه كبرا، فهو يشعر بأنه ذو صوت جميل ويغتر بذلك قليلا، ويميل قليلا إلى الشهرة! رغم ذلك فهو يريد ذلك لوجه الله، وأيضا فهو يقوم بوضع سجادة الإمام أمام الناس بشكل شبه يومي؛ لأنه يصلي في مصلى.
فهو يشعر بالشهرة والناس تنظر إليه رغم أنه لا يحب أن تنظر الناس إليه، ويريد ذلك لوجه الله وطلباً لزيادة الأجر، فهل يترك هذا من أجل التخلص من الكبر؟ هل يترك هذا الأجر لكي يتجنب الكبر والغرور؟ رغم أنه يعلم أن ذلك من نعم الله، ويريد أن يصرفها في طاعته ولكن يغلبه الكبر، فهو ذو شخصية جميلة ولديه الأسلوب والصوت الجميل ولكن يغتر بذلك، ويعلم عقوبة الكبر أنه لا يدخل الجنة، ويحاول جاهداً أن يكون متواضعاً، ويعلم بأن أصله هو (نطفة) ولكن يغلبه الكبر والغرور، وأيضاً هو شخص متفوق ولديه شهادات تقدير، ولكنه يقارن من الأفضل ويطمح أن يكون أفضل، وأن تكون له بصمة، وأحيانا يظن أنه الأفضل في مجال معين، فلا يعلم كيف يتخلص من الكبر؟ رغم أنه يعلم بأنه توجد أشياء لا يستطيع فعلها، فهو يواجه صعوبة عند نطق كلمة حقيقة وغيرها من الكلمات التي تحتوي حرف القاف (ق)!
ولديه صعوبة في حرف السين (س) فهو ينطقه في بعض المرات قريبا من حرث الثاء (ث)!
وهو يقلد أحد قرّاء القرآن، وبعض الأشخاص ينادونه باسم القارئ الذي يقلده، رغم أنه لا يريد أحدا أن يناديه بذلك كي لا يشعر بالكبر، ولكنه يغلبه الكبر والغرور، ويعلم أنه يجب عليه أن يستعين بربه ولكن يريد دعاء يقوله، فأتمنى أن توصوه ببعض الأدعية.
وهل هذا الدعاء يصلح للطلب من الله بأن يترك الكبر؟ اللهم أصلح فساد قلبي، اللهم اسلل سخيمة قلبي، اللهم إني أعوذ بك من الرياء والكبر، اللهم إني أسالك أن أكون عبدا متواضعا خالصا في جميع الأعمال لوجهك إلى أن ألقاك.
وأيضا هو عندما يتواضع يفخر بتواضعه!!
فيفخر بأنه متواضع ويرى أن البعص من الناس متكبرون؛ لذا هو يظن بأنه الأفضل لأنه متواضع!! فكيف يتخلص من هذا الداء؟ ويعاني من مشكلة وهي الحكم على الناس!! فهو يحكم على الناس عندما يفعلون الطاعات ويرى هل يفعلون ذلك خالصاً لوجه الله أم لا؟ هل هم متكبرون أم لا؟ وينظر إليهم وهكذا...
وغيرها من الحكم على الناس.
أفيدونا أثابكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأعراض المذكورة في مواضع من السؤال هي أقرب إلى مرض العجب من مرض الكبر؛ وقد بينا الفرق بينهما مع ذكر دواء العجب بالفتوى رقم: 263332.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 118700.

وبينا بالفتوى رقم: 163565، الفرق بين العجب والفرح بالطاعة .
والأدعية المذكورة لا بأس بها إن شاء الله، والأولى الدعاء بما ورد، والوارد مما ذكرت: واسلل سخيمة صدري، وانظر الفتوى رقم: 59683.

وروى الترمذي وابن حبان عن زياد بن علاقة عن عمه ، قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء " قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني.

ولا ننصحه بترك العمل الصالح، وليحذر من تسويل الشيطان له ترك الطاعات، ولكن، ليحرص على أن يكون له بعض الطاعات الخفية؛ كما بينا بالفتوى رقم: 283402.

وأما مسألة الحكم على الناس؛ فليحذر المرء منها، ولا يتجاوز مقام العبودية، وليرج للمسلمين الخير؛ فأولى به أن يفتش عن عيوب نفسه لا عن عيوب الناس؛ كما بينا بالفتوى رقم: 230347.

روى ابن أبي الدنيا في حسن الظن بالله عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْظَمَ رَجَاءً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَشَدَّ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ»

وقال أيضا: قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَعْظَمَ رَجَاءً لِلْمُوَحِّدِينَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ كَانَ يَتْلُو هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] وَيَتْلُو {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 43] وَيَتْلُو {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل: 15]. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني