الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الشك والوساوس في الصلاة

السؤال

وأنا أصلي صلاة العصر شككت هل صليت ثلاث ركعات أم أربع؟ وبما أنني كثير الشك بنيت على أربع، وأيضًا أخذت بقول ابن تيمية؛ لأنه ترجح عندي أنني صليت أربعًا، وبعد السلام سجدت سجدتين وسلمت. لكني بعد ذلك ظللت أفكر، ربما لم يكن علي أن أبني على الأكثر، لكني كثير الشك، ثم أفكر: هل جاءني الشك بالأمس لأكون ممن استنكحهم الشك؟ فأقول: نعم. ثم أقول: ربما لم يأتني. حتى قرب وقت أذان المغرب، فتوضأت، وفكرت قليلًا، ثم قلت: لعل الله تعالى منحني الفرصة كي أعيد الصلاة، فنويت إعادة الصلاة، فكبرت بنية صلاة العصر، وعند قيامي للركعة الثانية أُذن لصلاة المغرب، وأنا في القراءة من نفس الركعة تذكرت شيئًا غلب على ظني معه أنني صليت أربع ركعات في صلاتي الأولى، فقطعت الصلاة مباشرة. لكني بعدها عرفت أنني لم أكن جازمًا أنني صليت أربعًا، فقلت بصوت عال: ليتني أتممت الصلاة ولم أقطعها. فهممت باستئناف الصلاة من جديد، فتذكرت أنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها بسبب الوسواس، فقلت في نفسي: الصلاة الأولى التي صليتها كانت صحيحة، ولن أعيدها. فذهبت للمسجد وصليت صلاة المغرب جماعة، ورجعت للمنزل، وقبيل العشاء بقليل تذكرت أنني نويت إعادة صلاة العصر، ولم أفعل فقط لأني لم أرد أن أكون قد أخرجت الصلاة عن وقتها بسبب الوسواس. إذن ربما يجب عليّ إعادتها، فذهبت، وأعدت صلاتي العصر والمغرب بالوضوء الذي توضأت قبل أذان المغرب.
أفتوني -جزاكم الله خيرًا- ما هو إثمي فيما فعلت؟ وهل أخرجت صلاة العصر عن وقتها؟ وهل بذلك أكون عند بعض العلماء خارجًا من الملة -والعياذ بالله-؟
أنا آخذ بقول أنه لا يكفر إلا من ترك الصلاة كلية، وليس من ترك وعاد، وأيضا قرأت مؤخرًا أنه حتى من ترك الصلاة كلية لكي يتوب لا يلزمه نطق الشهادتين بنية الدخول في الإسلام، بل فقط يبدأ الصلاة؛ إذ أنه كان خارجًا عن ملة الإسلام بتركه للصلاة، فيعود للإسلام بأدائه للصلاة، بخلاف من لم يكن مقرًّا بالشهادتين؛ فيلزمه للدخول في الإسلام نطق الشهادتين، ثم بعدها يأتي ببقية الأركان.
فهل كان عليّ نطق الشهادتين بنية الدخول في الإسلام، ومن ثم الوضوء، أم أن صلاتي بالوضوء الذي ذكرت صحيحة؟ ثم هل عليّ أن أتذكر إن كان الشك قد أتاني بالأمس لأبني على الأكثر أم أنه بما أنه يأتيني كثيرًا أبني على الأكثر دون التأكد من ذلك؟ وهل يكون الشك مستنكحًا إذا جاءني يومًا في الوضوء ويومًا في الصلاة أم فقط في الصلاة؟ أحس أنه بدأ يؤثر على صحتي العقلية، والجسدية، والنفسية، وعلى علاقاتي!
أرجو منكم الدعاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يعافيك، وأن يقيك شر نفسك، وشر الشيطان وشركه.

فما ذكرته سواء في حكم الصلاة، أو الشك في الكفر، ما هو إلا أثر للوسوسة! وقد ظهر من سؤالك أنك على علم بحكم الموسوس، وما له من الرخصة في البناء على الأكثر واطراح شكه، ومع ذلك لم تدعك نفسك ولا الشيطان حتى شككاك من شكك، وهذا أمر يطول، وليس له من مخرج إلا الإعراض عنه بالكلية، وقبول الرخصة الشرعية في حق الموسوس. وأهم من ذلك: الإعراض عن وساوس الكفر، فليس هناك علاقة، لا من قريب ولا من بعيد، لما ذكرت في سؤالك ـ بموضوع الكفر؛ حتى ولو قلنا بكفر من يصلي ويترك، لأنك لم تتعمد إخراج الصلاة عن وقتها، بل إنك قد صليتها بالفعل، ولكنه الشك أعاذك الله من شره.
ثم ننبه الأخ السائل إلى أن حاله في الشك ظاهر بيِّن، فلا يحتاج لأن يتذكر: هل جاءه الشك بالأمس أم لا ؟ ولا يحتاج لفصل الوضوء عن الصلاة ليحكم باستنكاح الشك عنده، فشكه مستنكح بلا ريب. فاعمل -يرحمك الله- بالرخصة، ولا تفتح على نفسك باب العناء والمشقة، فإن الوسوسة مرض شديد، وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، وقد بدا ذلك على حال السائل حيث يقول: (يؤثر على صحتي العقلية، والجسدية، والنفسية، وعلى علاقاتي)!!!
فارفق بنفسك، وكف عن اتباع آثار الوسوسة، واستمع لهذه النصيحة الذهبية، فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن داء الوسوسة: هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع، وهو الإعراض عنها جملة كافَّة، وإن كان في النفس من التردد ما كان؛ فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل، كما جرب ذلك الموفقون. وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها، فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم، كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها ... فتأمل هذا الدواء النافع الذي علمه من لا ينطق عن الهوى لأمته، واعلم أن من حرمه فقد حرم الخير كله؛ لأن الوسوسة من الشيطان اتفاقًا، واللعين لا غاية لمراده إلا إيقاع المؤمن في وهدة الضلال والحيرة ونكد العيش وظلمة النفس وضجرها إلى أن يخرجه من الإسلام وهو لا يشعر (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر: 6] ... وذكر العز بن عبد السلام وغيره نحو ما قدمته فقالوا: دواء الوسوسة أن يعتقد أن ذلك خاطر شيطاني، وأن إبليس هو الذي أورده عليه، وأنه يقاتله، فيكون له ثواب المجاهد؛ لأنه يحارب عدو الله، فإذا استشعر ذلك فرّ عنه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني