الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يمتنع عن الصلاة أو الصيام بحجة المرض النفسي

السؤال

سؤال أرقني هل في الشرع الإسلامي رخص لمن يعانون من الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والخوف والهلع أو اضطرابات الصدمة؟ لدي حالة اكتئاب تمنعني من الصلاة أو حتى الوضوء والصيام، أحب الله وأغار على ديني، لكن لا أعلم ما يحدث لي، أتمنى إجابتي، أخاف أن أموت وأنا على هذه الحال تعبت جدا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لنا ولك العافية والشفاء من الأمراض الظاهرة والباطنة، ونوصيك بالإكثار من الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، فهو الذي يجيب دعوة المضطر، ويكشف الضر، ولا يرد داعيه خائبا أبدا، ثم احذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان، ويخيل إليك أن الحل لمشكلة في ترك ما أوجب الله عليك، أو فعل ما حرم عليك، واعلم أنك إن أطعت الشيطان خسرت دنياك وآخرتك، فلا ملجأ لك ولا منجى إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، والرجوع إلى حظيرة طاعته والفرار من معصية.

هذا أولا، وثانيا نقول: إن أصل التكليف الشرعي يكون باعتبار وجود العقل، فهو مناط التكليف، ثم باعتبار حصول الاستطاعة فهي شرط التكليف، فإذا اجتمع العقل مع الاستطاعة حصل التكليف، جاء في (الموسوعة الفقهية): أجمع الفقهاء على أن العقل هو مناط التكليف في الإنسان، فلا تجب عبادة من صلاة أو صيام أو حج أو جهاد أو غيرها على من لا عقل له كالمجنون، وإن كان مسلما بالغا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل". اهـ.
وفيها أيضا: اتفق الفقهاء على أن الاستطاعة شرط للتكليف، فلا يجوز التكليف بما لا يستطاع عادة، دل على ذلك كثير من نصوص القرآن والسنة، فقال جل شأنه: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وإذا صدر التكليف حين الاستطاعة، ثم فقدت هذه الاستطاعة حين الأداء، أوقف هذا التكليف إلى حين الاستطاعة، فقد كلف الله تعالى من أراد الصلاة بالوضوء، فإن لم يستطعه سقط عنه الوضوء، وصير إلى البدل، وهو التيمم، وكلف الحانث في يمينه بكفارة الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق، فإن لم يستطع واحدا منها حين الأداء سقطت عنه وصير إلى البدل، وهو الصيام، وكلف المسلم بالحج، فإن لم يستطعه حين الأداء لمرض أو فقد نفقة أو غير ذلك، سقط هذا التكليف إلى حين الاستطاعة. اهـ.
وعلى ذلك فالحكم على هذه الأمراض النفسية وعلاقتها بالتكليف يكون بالنظر في مدى تأثيرها في العقل والاستطاعة، وهذا يختلف قطعا من مرض إلى مرض، ومن شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال! وقد يحتاج الأمر في بعض الأحيان إلى استشارة الأخصائيين النفسيين، ويبقى الأصل أن المسلم البالغ العاقل مكلف يجري عليه قلم الحسنات والسيئات إلى أن يقوم به عارض من عوارض الأهلية.

وننصح الأخ السائل بمراسلة قسم الاستشارات عندنا، وبالرجوع إلى رسالة الدكتوراة للدكتورة خلود المهيزع: (أحكام المريض النفسي في الفقه الإسلامي) فقد بذلت فيها جهدا مشكورا في تقرير الأحكام الشرعية المترتبة على الأمراض النفسية، وفي بيان يسر الشريعة الإسلامية وشمولها لكل ما يجد من نوازل وقضايا معاصرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني