الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفارة من مارست السحاق وهي محرمة للعمرة

السؤال

فتاة مارست السحاق وهي محرمة للعمرة، فما هي الفدية هنا؟ وهل فسدت عمرتها أم لا؟ علمًا أنها تابت -والحمد لله-، وأيضًا أنا كان عليّ حيض وأكثر من جنابتين واعتمرت، فهل أعتد بهذا الاغتسال أنه رفع عني الجنابات أم لا؟
وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دامت الفتاة المذكورة قد تابت من هذا الذنب فنسأل الله تعالى أن يقبل توبتها، ويغفر زلتها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والظاهر: أن ما قامت به لا يفسد إحرامها؛ لأن الإحرام إنما يفسده الجماع قبل التحلل، وهذا الفعل ليس جماعًا قطعًا بدليل أنه لا تترتب عليه أحكام الجماع كالحد مثلًا، والعلماء يشبهونه بمباشرة الرجل المرأة من غير جماع؛ قال ابن قدامة: وإن تدالكت امرأتان, فهما زانيتان ملعونتان; لما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {إذا أتت المرأة المرأة, فهما زانيتان}. ولا حد عليهما؛ لأنه لا يتضمن إيلاجًا, فأشبه المباشرة دون الفرج, وعليهما التعزير؛ لأنه زنى لا حد فيه, فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع. اهـ.

وما دام ليس جماعًا فالأقرب أن يقاس حكمه على مقدمات الجماع والمباشرة فيما دون الفرج؛ جاء في التاج والإكليل للمواق نقلًا عن الباجي: المساحقتان من النساء. سمع ابن القاسم: ليس في عقوبتهما حد وذلك إلى اجتهاد الإمام. والدليل على صحة قول ابن القاسم هذا إنه بمعنى المباشرة ولا حد إلا بمغيب. اهـ.

وفي معالم القربة: وإن أتت المرأة المرأة عزرتا قياسًا على المباشرة فيما دون الفرج. اهـ.

وفي الموسوعة الفقهية: قال الكمال بن الهمام: وعمل المرأتين أيضًا كعمل الرجال جماع فيما دون الفرج. اهـ.
وعلى هذا؛ فإن عمرتها تلك صحيحة -إن شاء الله- إن كانت قد أدتها على وجهها مستوفية لأركانها؛ إذ إن جمهور أهل العلم يرون أن من فعل شيئًا من مقدمات الجماع قبل التحلل لا تبطل عمرته به، وعليه الفدية, سواء أنزل أم لم ينزل؛ جاء في الموسوعة الفقهية: المقدمات المباشرة أو القريبة, كاللمس بشهوة, والتقبيل, والمباشرة بغير جماع: يجب على من فعل شيئًا منها الدم سواء أنزل منيًّا أو لم ينزل. ولا يفسد حجه اتفاقًا بين الحنفية والشافعية والحنابلة, إلا أن الحنابلة قالوا: إن أنزل وجب عليه بدنة. ومذهب المالكية: إن أنزل بمقدمات الجماع منيًّا فحكمه حكم الجماع في إفساد الحج, وعليه ما على المجامع مما ذكر سابقًا, وإن لم ينزل فليهد بدنة. اهـ.

وإذا تقرر هذا؛ فإن الواجب على الفتاة المذكورة إخراج الفدية عما حصل منها، وهي على التخيير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو ذبح شاة. وتراجع الفتوى رقم: 93649، والفتوى رقم: 110358.

وأما اغتسالك المذكور: فإنه يجزئك وإن تعدد موجبه، وانظري الفتوى رقم: 132061.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني