الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

بأحد نقاشاتي مع النصارى ذكر أن غزوة تبوك كانت اعتداء وليست دفعًا, ولم تكن الروم تشكل تهديدًا على المسلمين.
أرجو توضيح الإشكال، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالزعم بأن الروم لم تكن تشكل تهديدًا على المسلمين قبل غزوة تبوك زعم باطل، فإن أحد أسباب هذه الغزوة هو تحرك قوات رومية وعربية موالية لها نحو المسلمين؛ قال نور الدين الحلبي في (إنسان العيون): بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة في الشام، وأنهم قدموا مقدماتهم إلى البلقاء المحل المعروف. وذكر بعضهم أن سبب ذلك أن متنصرة العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذي قد خرج يدعي النبوّة، هلك وأصابت أصحابه سنون أهلكت أموالهم. فبعث رجلا من عظمائهم وجهز معه أربعين ألفًا، أي ولم يكن لذلك حقيقة، أي وإنما ذلك شيء قيل لمن يبلغ ذلك للمسلمين ليرجف به، وكان ذلك في عسرة في الناس وجدب في البلاد، أي وشدة من نحو الحر، وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم. اهـ.

وقال المباركفوري في (الرحيق المختوم): كانت هناك قوة تعرضت للمسلمين من غير مبرر، وهي قوة الرومان -أكبر قوة عسكرية ظهرت على وجه الأرض في ذلك الزمان- وقد عرفنا فيما تقدم أن بداية هذا التعرض كانت بقتل سفير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحارث بن عمير الأزدي على يدي شرحبيل بن عمرو الغساني، حينما كان السفير يحمل رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عظيم بصرى، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل بعد ذلك سرية زيد بن حارثة التي اصطدمت بالرومان اصطدامًا عنيفًا في مؤتة، ولم تنجح في أخذ الثأر من أولئك الظالمين المتغطرسين، إلا أنها تركت أروع أثر في نفوس العرب، قريبهم وبعيدهم. ولم يكن قيصر ليصرف نظره عما كان لمعركة مؤتة من الأثر الكبير لصالح المسلمين، وعما كان يطمح إليه بعد ذلك كثير من قبائل العرب من استقلالهم عن قيصر ومواطأتهم للمسلمين، إن هذا كان خطرًا يتقدم ويخطو إلى حدوده خطوة بعد خطوة، ويهدد الثغور الشامية التي تجاور العرب، فكان يرى أنه يجب القضاء على قوة المسلمين قبل أن تتجسد في صورة خطر عظيم لا يمكن القضاء عليها، وقبل أن تثير القلاقل والثورات في المناطق العربية المجاورة للرومان. ونظرًا إلى هذه المصالح لم يقض قيصر بعد معركة مؤتة سنة كاملة، حتى أخذ يهيئ الجيش من الرومان والعرب التابعة لهم من آل غسان وغيرهم، وبدأ يجهز لمعركة دامية فاصلة، وكانت الأنباء تترامى إلى المدينة بإعداد الرومان للقيام بغزوة حاسمة ضد المسلمين، حتى كان الخوف يتسورهم كل حين، لا يسمعون صوتًا غير معتاد إلا ويظنونه زحف الرومان ... اهـ.

ثم إنه لا بد من معرفة غاية الجهاد في الإسلام وأسبابه وحكمة مشروعيته، وهذا قد سبق لنا بيانه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 199777، 166631، 120465.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني