الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يؤثر ترك بعض السنن على إيمان العبد ودرجته في الجنة؟

السؤال

هل مخالفة سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلًا بالطعام ونحوه وكان صاحبها مؤمنًا هل يؤثر هذا على أجره، ولو كان يعمل عمل أهل جنة الفردوس الأعلى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحرص على سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- والعمل بها في القليل والكثير من أعظم موجبات الأجر، ودلائل صدق محبته -صلى الله عليه وسلم-، كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {آل عمران:31}. ثم إذا كان هذا الأمر الذي شرعه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته بفعل أو قول مستحبًا لا واجبًا ففاعله مأجور مثاب، وتاركه يفوته من الأجر بحسب ما ترك من السنة، ولكن لا يؤثر هذا في إيمانه الواجب ولا يقدح فيه، بل يصح أن يسمى مؤمنًا، وإن ترك بعض المستحبات، ولكن كمال الإيمان المستحب يقتضي من العبد التمسك بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- دقيقها والجليل، وكلما كمل إيمانه زاد تمسكه بالسنة وحرصه عليها، فبين أعمال الظاهر وعمل القلب تلازم بحيث كلما زاد هذا زاد ذاك والعكس بالعكس؛ قال ابن تيمية -رحمه الله-: وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: {ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب}، وقال عمر لمن رآه يعبث في صلاته: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، وفي الحديث: {لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه}. ولهذا كان الظاهر لازمًا للباطن من وجه وملزومًا له من وجه. انتهى.

فإذا علمت هذا، وتبين لك ما بين الظاهر والباطن من التلازم، علمت أنه بقدر زيادة الإيمان يكون الحرص على فعل السنن والمستحبات، وبقدر نقص الإيمان يكون التقصير في فعلها، وقد لا ينقص الإيمان عن الإيمان الواجب إذا فعل الشخص الواجبات كلها وترك المحرمات كلها، فإذا ترك الشخص شيئًا من الواجبات وفعل شيئًا من المحرمات نقص من إيمانه الواجب بحسب ما ترك، فتدبر هذا، فبه يزول عنك الإشكال، وحاصله: أن تعلم أن الإيمان يزيد وينقص، وأن أعمال الجوارح متلازمة زيادة ونقصًا مع أعمال القلوب، وأن الإيمان له كمال واجب يحصل بفعل الواجبات وترك المحرمات، وله كمال مستحب يحصل بالتمسك بالمستحبات وفعل المسنونات، وأنه كلما زاد نصيب العبد من هذه الأعمال زاد حظه من الإيمان المستحب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني