الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هجاء وسب المستهزئين بالمؤمنين.. رؤية شرعية دفاعية

السؤال

ما حكم الكلام البذيء تجاه المستهزئين بشيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كالنقاب، أو تجاه العلمانيين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه يشرع الدفاع عن الإسلام بالحجة والبيان، وإذا استدعى الحال إيراد بعض عبارات السب للكافر والمرتد والمستهزئ بالدين فلا حرج في ذلك؛ فقد أقر النبي -صلى الله عليه وسلم- سب الكفار ببعض العبارات البذيئة وهجاءهم بالشعر، وفي الحديث عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم. رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي المسند عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه، أنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الله -عز وجل- قد أنزل في الشعر ما أنزل. فقال: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل.
والحديث صححه الألباني.

وأخرج الشيخان من حديث البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لحسان: اهجهم أو هاجهم وجبريل معك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 206): عيب ديننا وشتم نبينا مجاهدة لنا ومحاربة فكان نقضًا للعهد كالمجاهدة والمحاربة بالأولى. يبين ذلك أن الله سبحانه قال في كتابه: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} والجهاد بالنفس يكون باللسان كما يكون باليد، بل قد يكون أقوى منه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم" رواه النسائي، وغيره. وكان صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت: "اغزهم وغازهم"، وكان ينصب له منبرًا في المسجد ينافح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشعره وهجائه للمشركين، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أيده بروح القدس"، وقال: "إن جبريل معك ما دمت تنافح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وقال: "هي أنكى فيهم من النبل"..... اهـ.

وفي شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 326)، قال -رحمه الله-: هجاء المشركين أهل الحرب وسبهم جائز بهذه الأحاديث، وأنه لا حرمة لهم إذا سبوا المسلمين، والانتصار منهم بذمهم وذكر كفرهم وقبيح أفعالهم من أفضل الأعمال عند الله تعالى، ألا ترى قوله عليه السلام لحسان: (اهجهم وجبريل معك)، وقوله: (اللهم أيده بروح القدس)، وكفى بهذا فضلًا وشرفًا للعمل والعامل به ... اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح: "وفي الحديث: جواز سب المشرك، جوابًا عن سبه للمسلمين, ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين؛ لأنه محمول على البداءة به, لا على من أجاب منتصرًا" انتهى.
وقال الشيخ/ زكريا في أسنى المطالب: ومحل تحريم الهجاء إذا كان لمسلم، فإن كان لكافر أي غير معصوم جاز، كما صرح به الروياني، وغيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر حسان بهجاء الكفار، ومن هنا صرح الشيخ/ أبو حامد بأنه مندوب، ومثله في جواز الهجو المبتدع، كما ذكره الغزالي في الإحياء والفاسق المعلن كما قاله العمراني. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني