الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على مشروعية دفع الإنسان التهمة عن نفسه

السؤال

هل يجوز دفع المذمة في أمور الدنيا؟ كمن انتشر عنه صفة سيئة بين الناس وليست فيه، كالضعف في مادة من المواد مثلا؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيشرع للإنسان أن يدفع قالة السوء عن نفسه، فإذا رمي بما ليس فيه من الصفات السيئة فينبغي له أن يبين بالقول والفعل أنه ليس متصفا بهذه الصفة، وإذا خشي أن يتهم بما ليس فيه فينبغي له أن يتخذ من الإجراءات الاحترازية ما يدفع عنه التهمة وينفي عنه قالة السوء، وقد دل على هذا الأصل دلائل من الكتاب والسنة، فمنها قوله تعالى: فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {النساء:6}، قال السمرقندي: وإنما الإشهاد على معنى الاستحباب لنفي التهمة عن نفسه، ولو لم يشهد على ذلك لجاز كقوله تعالى وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ثم قال: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي شهيداً في أمر الآخرة، وأما في أمر الدنيا فينبغي أن يشهد العدول على ذلك لدفع القال عن نفسه، لأن الله تعالى لا يشهد له في الدنيا. انتهى، وقد قال يوسف عليه السلام: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي {يوسف:26}، قال أبو حيان في البحر: وَلَمَّا أَغْرَتْ بِيُوسُفَ وَأَظْهَرَتْ تُهْمَتَهُ احْتَاجَ إِلَى إِزَالَةِ التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي، وَلَمْ يَسْبِقْ إِلَى الْقَوْلِ أَوَّلًا ستْرًا عَلَيْهَا، فَلَمَّا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عِرْضِهِ الطَّاهِرِ قَالَ: هِيَ. انتهى، وفي قوله عليه السلام: ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن؛ دليل على أنه ينبغي أن يجتهد الرجل في نفى التهمة عن نفسه ـ لا سيما من كان ممن يقتدى به. قاله المظهري. وقال العلامة ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في سياق فوائد قصة يوسف عليه السلام: أنه لا يلام الإنسان على السعي في دفع التهمة عن نفسه، وطلب البراءة لها، بل يحمد على ذلك، كما امتنع يوسف عن الخروج من السجن حتى تتبين لهم براءته بحال النسوة اللاتي قطعن أيديهن. انتهى، ولأجل هذا رأى العلماء إظهار الفرائض وإظهار الصدقة إذا كان في ذلك دفع للتهمة عن الشخص، قال القرطبي في قوله تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي: قال المهدويُّ: وقيل المُرادُ بالآيةِ فرضُ الزكاةِ وما تطوع به فكان الإخفاءُ فيها أفضلَ في مدّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ ساءتْ ظنونُ الناسِ، بعد ذلك، فاستحسنَ العلماءُ، إظهارَ الفرائضِ، لئلا يُظن بأحدٍ المنعُ. انتهى.

وأمثلة هذا الأصل الذي هو مشروعية دفع الإنسان التهمة وقالة السوء عن نفسه كثيرة جدا في كلام الفقهاء رحمهم الله، وبه تعلم أنه لا حرج فيما ذكرت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني