الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الشعور بالحزن والضيق هل ينافي الصبر والرضا

السؤال

أعانكم الله على الخير.
أودّ أن أشرح لكم قصتي بتفصيل صغير لتتضح الصورة أمامكم، وبالتالي تفتوني بما هو خير لي على حسب وضعي.
أنا أعيش في مدينة القدس، والحكومة هناك تابعة للكيان الصهيوني، وهذه الحكومة تفرض شروطا معيشية على بعض المواطنين العرب والمسلمين، ومن هذه الشروط المنع من العمل أو الحركة أو الصلاة في المسجد الأقصى، أو حتى المنع من العيش إلا بتصريح من وزارة الداخلية الصهيونية، وأنا من ضمن هؤلاء المواطنين، فأنا لا أستطيع العمل في أي مكان في المدينة، ولا أستطيع التحرك بدون تصاريح منهم أو الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، فأنا أعيش هنا مخالفا لقوانينهم حسب رأيهم، وفي هذه الحالة أحاول جاهدا البحث عن عمل لي لأعيل به أسرتي وأطفالي، وقد استغرقت في عملية البحث طويلا فلم أجد لأن الخيارات أمامي محدودة جدا ولأن قوانينهم أيضا تفرض على أرباب العمل وعلى أصحاب المصالح أو المؤسسات عدم توظيفي وفرض غرامات مالية عليهم إن فعلوا، وعلى ذلك يرفض الجميع توظيفي، وضاقت بي السبل وأغلقت الأبواب، داعيا الله تعالى أن ييسر لي أمري ويكون معي، فكلما وجدت عملا أخسره ولا أستطيع الاستقرار به بسبب وضعي وعدم قانونية وجودي حسب ادعائهم، بالرغم من أني ابن المدينة وهي مسقط رأسي وبها ترعرعت، إلا أنها سياسة تهويدية، في نهاية المطاف استدعاني رجل مسيحي للعمل عنده بالسر في أحد فنادقه ووافقت على ذلك سريعا لأني بحاجة ماسة للمال والعمل، وبسبب الضائقة المالية التي ألحقت بي التي جعلتني لا أجد ما أعيل به زوجتي وطفلتي، ولكن المشكلة في هذا الفندق أنهم يبيعون الخمر لزبائنهم السياح، والفندق عبارة عن أقسام مختلفة فهناك قسم للخمور، وهناك المطبخ وهناك الغرف وعدة أقسام أخرى، فأنا أعمل في قسم المطبخ ولا أتعامل مع الخمور نهائيا، وجميع الأطعمة المقدمة حلال، مع أني أدعو الله دائماً أن يرزقني رزقا حلالا وعملا صالحا؛ لأستبدل به عملي الحالي، والله هذا هو حالي، فلا أعمل في هذا الفندق إلا بسبب حاجتي الملحة للعمل، وعدم توفر أي فرص عمل أخرى لي بسبب ما أعانيه من الاحتلال هنا، حتى ضاقت بي نفسي وأصبحت دائم الحزن والخوف والتعب.
أفتوني بارك الله فيكم عن حكم العمل في هذا الفندق في ظل ظروفي، وهل حزني وشعوري بالضيق المستمر هو عدم توكل على الله وأني أسيء الظن به، رغم أنني أدعوه دائماً وأتوكل عليه وأفوض أمري إليه إذ لا ملجأ إلا له، لكني أشعر بالحزن دائماً بسبب حالي ووضعي.
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج كربك وييسر أمرك، وأن يوفقك ويلهمك رشدك.
وأما ما سألت عنه فجوابه أنه: لا حرج عليك في هذا العمل في ظل ظروفك التي ذكرت، خاصة وأنك لا تتعامل مع الخمور، ولا تقدم من الأطعمة إلا الحلال.
وأما حزنك وشعورك بالضيق فهو أمر طبعي لا غرابة فيه، بالنظر إلى ظروفك المذكورة! ولا يتعارض هذا مع التوكل على الله تعالى وحسن الظن به، ولا مع الصبر أو الرضا بقضائه تعالى وقدره، وإنما تقع المؤاخذة إذا ترتب على ذلك أقوال أو أفعال محرمة، ففي الصحيحين عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال: "ألا تسمعون! إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم".
وفي الصحيحين أيضا في قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وجد عليه وجعلت عيناه صلى الله عليه وسلم تذرفان، فسألوه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون". وراجع للفائدة الفتوى رقم: 139774.
والسائل ـ بحمد الله ـ يدعو الله دائماً ويتوكل عليه ويفوض أمره إليه، كما ذكر عن نفسه، وهذا حال من يحسن الظن بربه تعالى.

ثم إننا نذكر الأخ السائل بأن أمر الرزق محتوم، وأن كل إنسان لا بد أن يستوفي رزقه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها. رواه أبو نعيم، وصححه الألباني. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لو فر أحدكم من رزقه؛ أدركه كما يدركه الموت. قال المنذري: رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن. اهـ. وحسنه الألباني.

كما نذكره بقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {الطلاق:4}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني