الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل في كفارة اليمين

السؤال

جزاكم الله خيرا.
قد استعصت علي مسألة، وأرجو من الله أن يعينكم على إفادتنا، ولكم جزيل الشكر.
وقع خلاف بيني وبين شخص، وكان في البيت عندنا، وحلفت بالله ألا يخرج من البيت في ذلك اليوم، وقلت له: والله لن تخرج، وتركني حتى ذهبت للقيلولة بعد الظهر، وخرج، ولكنه عاد بعد ذلك.
وبعد أسبوع تقريبا، حلفت على نفس الشخص أكثر من مرة ربما أربع، أو خمس مرات، على ألا يفعل بعض الأشياء، وأنني سأفعل كذا وكذا، وكنت في غضب شديد. وبعد مدة تبين لي أنه لن ينصت لي، وأنه لا فائدة فيما قلته له، وأنه سيفعل ما يريد هو.
أحسن الله اليك، هذه أسئلتي جزاكم الله خيرا:
ـ كم من كفارة يمين تجب علي، علما أني حلفت على نفس الشخص، ولكن في وقتين مختلفين؟
ـ وإذا كنت سأخرجها على عشرة مساكين: هل لا بد أن يكونوا مسلمين، فقراء، محتاجين، علما أنه في بلدنا اليوم عندما أخرج من المسجد أجد الكثير من المساكين، وأغلبهم نساء، ولكن لا أعلم إن كانوا فعلا يصلون، أو أنهم فعلا محتاجون؛ لأن الناس أصبحوا يحترفون مهنة التسول عندنا في المغرب، وقل اهتمام الناس بدينهم، تجد الناس أمام المسجد يبيعون ويشترون في وقت الصلاة، والمقاهي ممتلئة في وقت الصلاة ولا يبالون.
- وهل يجب علي أن أبحث عن المسكين المسلم، المحتاج الذي يصلي، وأتحرى أمره حتى وإن شق الأمر علي، أم يدخل هذا في عدم الاستطاعة؟
ـ وقد قمت بحساب المبلغ الذي سيكلفني لشراء التمر، وليس معي المال الكافي: هل يجب علي أن أستدين، أو أبيع شيئا من ممتلكاتي الخاصة حتى أوفر المبلغ، علما أنني كنت أعمل في ورشة للنجارة كمتدرب، وطردت منها بحجة أن صاحب الورشة لم يعد بحاجة إلى متدربين، وقد اقتربت من إنهاء الدراسة، والبحث عن العمل سيأخذ بعض الوقت، ولا أملك إلا جزءا يسيرا من المال، وأريد أن أكفر عن يميني في أقرب وقت فقد أصبح هما أفكر فيه كثيرا، وهل يجب علي تأجيل الكفارة حتى يتوفر لدي المال الكافي؟
جزاكم الله خيرًا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلي قدركم، وأن ينفع بكم؛ إنه ولي ذلك، والقادر عليه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت حلفت على الشخص المذكور أن لا يخرج، وخرج؛ فإنك قد حنثت في يمينك تلك، ويلزمك تكفيرها.

وإن كنت حلفت بعد ذلك أيمانا متعددة، على أشياء مختلفة -كما تقول- فإن الكفارة تتعدد عليك- على الراجح من أقوال أهل العلم- بتعدد المحلوف عليه، والحنث في كل واحد منها.

وكون من أحنثك شخص واحد، لا يغير من الأمر شيئا، ما دامت الأشياء المحلوف عليها، أو عنها مختلفة، مثل ما إذا قلت له: والله لا تأكل هذا الطعام، والله لا تلبس هذا الثوب، والله لا تخرج من البيت. فإنه إن أحنثك في الجميع، وجبت عليك ثلاث كفارات، وإن أحنثك في واحدة منها، وجبت عليك كفارة واحدة، وهكذا .. وانظر الفتوى رقم: 113144

وأما الفقير الذي تعطى له الكفارة، والزكاة. فيكفي التحقق من إسلامه ظاهرا، وحصول غلبة الظن بكونه من أهل الزكاة، ولا يلزم التحري، والبحث عن حاله.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ولا تعطى - أي الزكاة - إلا لمن تحقق إسلامه ظاهراً؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: «فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، وترد في فقرائهم» وكلما كان المعطى من الفقراء والمساكين أتقى، وأكثر طاعة، فهو أولى من غيره. اهـ.

ولا تجب الاستدانة من أجل التكفير، لمن يكن له مال، بل ينتقل المكفر إلى الصوم مباشرة إذا عجز عن التكفير بالإطعام، أو الكسوة، أو العتق؛ لقوله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {المائدة:89}، وانظر الفتوى رقم: 127048

والراجح أن الكفارة واجبة على الفور، كما أشرنا في الفتوى المحال عليها آنفا، وبالتالي فإنه يلزمك المبادرة إلى التكفير على نحو ما تقدم في الآية، ولا تؤخر الكفارة من أجل الحصول على المال إذا كنت قادرا على الصوم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني