الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة

السؤال

توجد بمنطقتنا مجموعة يتكلمون الكلام البذيء، ويغتابون، ومنهم اثنان يدخنان، لكن لا يدخنان أمامنا، فلذلك أنا لا أصاحبهم، فقط ألعب معهم كرة القدم، ولكن ضاقت بي العزلة التي أعيشها، فقد قلّ رفقاء الصلاح في هذا الزمان، ولو نصحتهم قد لا ينتفعون، فلم أجد المتنفس الصالح. ويوجد من بين هذه المجموعة من هو على الأقل لا يصل إلى حد أنه رفيق سيء، لكنه أغلب وقته معهم، ونادرًا ما تسمح لي الفرصة بأن أكون معه دون الباقين. فهل تجوز لي صحبتهم؟ فإنه لا يوجد لدي إخوان قريبون من سني، كلهم كبار ومتزوجون، وقد صبرت على هذه العزلة إلى أنني لاحظت أنها تنعكس عنها نتائج سلبية في شخصيتي، كما أنه لدي رغبة كبيرة في بناء علاقات، والخروج من رتابة المنزل.
وجزيتم خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعزلة خير من رفيق السوء، وصبر المرء على مُرّ الوحدة أهون من معاناة ضر مصاحبة المفسدين. والأريب لا يكاد يعجز عن استغلال وقته، وتحصيل الأنيس الناصح، أو الجليس الصالح. وقد بوَّب البخاري في صحيحه باب: (العزلة راحة للمؤمن من خُلَّاط السوء). فقال ابن حجر في شرحه: لفظ هذه الترجمة أثر أخرجه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن عمر أنه قاله، لكن في سنده انقطاع ... وما أحسن قول الجنيد: مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة. وقال الخطابي: لو لم يكن في العزلة إلا السلامة من الغيبة ومن رؤية المنكر الذي لا يقدر على إزالته لكان ذلك خيرًا كثيرًا. وفي معنى الترجمة ما أخرجه الحاكم من حديث أبي ذر مرفوعًا بلفظ: "الوحدة خير من جليس السوء". وسنده حسن، لكن المحفوظ أنه موقوف عن أبي ذر أو عن أبي الدرداء، وأخرجه ابن أبي عاصم. اهـ. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 216487.

وهذا بصفة عامة، وأما الحكم في خصوص كل شخص فيختلف بحسب حاله وبيئته، قال الشيخ/ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): العزلة خير إن كان في الاختلاط شر وفتنة في الدين، وإلا فالأصل أن الاختلاط هو الخير، يختلط الإنسان مع الناس فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يدعو إلى حق، يبين السنة للناس، فهذا خير. لكن إذا عجز عن الصبر وكثرت الفتن؛ فالعزلة خير. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 30069.
ومن حيث الحلال والحرام؛ فإن مصاحبة أهل المعاصي حال ارتكابهم لمعاصيهم لا تجوز إلا مع إنكارها ونهيهم عنها، وإلا وجبت مفارقة مجلسهم؛ جاء في (الموسوعة الفقهية): قال العلماء: مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمنًا كان أو كافرًا. واستدلوا بقوله تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}. ولقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر. وقال الجصاص: وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهية إذا لم يمكنه إزالته، وترك مجالسة فاعله، والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها. اهـ. وراجع الفتويين: 115722، 116850.

وقد سبق لنا بيان الخطوات المعينة على تجنب رفاق السوء، وذلك في الفتوى رقم: 9163. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 42805، 24857.

ومما ذكر يتبين لك أنه لا خير في مصاحبة من يتكلمون الكلام البذيء ويغتابون ويدخنون، ومنهم من لا يصلي ... وخصوصًا أنك ذكرت أنك إذا نصحتهم لا ينتفعون.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني