الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الغضب والمشاجرة من أجل منع أخذ المال بغير حق

السؤال

دخلت مسجدا، ووضعت حذائي في مكان، وعندما خرجت طلب مني أحد مالا بحجة أنه أمين المسجد، ويحافظ على الحذاء، فغضبت، ولكنني حملت نفسي وأعطيته المال وذهبت، فهل غضبي هنا حرام لمخالفته حديث: لا تغضب؟ وهل كان يجوز لي أن أ تشاجر معه في مثل هذا الأمر دفاعا عن المال؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر من حال هذا الرجل أنه مجرد سائل، ولا حق له في أن يأخذ شيئا منك على سبيل الأجرة مادمت لم تطلب منه حراسة النعال، قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: من عمل لغيره عملاً بغير جُعلٍ ـ أي عوض ـ لم يستحق عوضاً، لا نعلم في هذا خلافاً . اهـ بتصرف يسير.

وأما عن غضبك الذي لم يترتب عليه تصرف خاطئ: فلا إثم عليك فيه ولا ينافي ذلك النهي الوارد في حديث: لا تغضب ـ فقد مدح الشرع من غضب وكظم وعفا وملك نفسه عند الغضب، لقوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134}.

وقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ {الشورى:37}.

وروى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.

قال ابن حجر في الفتح: قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْله: لا تَغْضَب ـ اِجْتَنِبْ أَسْبَاب الْغَضَب وَلا تَتَعَرَّض لِمَا يَجْلِبهُ، وَأَمَّا نَفْس الْغَضَب فَلا يَتَأَتَّى النَّهْي عَنْهُ، لأَنَّهُ أَمْر طَبِيعِيّ لا يَزُول مِنْ الْجِبِلَّة, وَقَالَ غَيْره: مَا كَانَ مِنْ قَبِيل مَا يُكْتَسَب بِالرِّيَاضَةِ فَهُوَ الْمُرَاد.. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لا تَفْعَل مَا يَأْمُرك بِهِ الْغَضَب، وَقَالَ اِبْن بَطَّال: فِي الْحَدِيث.. أَنَّ مُجَاهَدَة النَّفْس أَشَدُّ مِنْ مُجَاهَدَة الْعَدُوّ، لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الَّذِي يَمْلِك نَفْسه عِنْدَ الْغَضَب أَعْظَم النَّاس قُوَّة، وَقَالَ غَيْره: لَعَلَّ السَّائِل كَانَ غَضُوبًا, وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر كُلّ أَحَد بِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ, فَلِهَذَا اِقْتَصَرَ فِي وَصِيَّته لَهُ عَلَى تَرْك الْغَضَب وَقَالَ اِبْن التِّين: جَمَعَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله: لا تَغْضَب ـ خَيْر الدُّنْيَا وَالآخِرَة، لأَنَّ الْغَضَب يَؤولُ إِلَى التَّقَاطُع وَمَنْع الرِّفْق, وَرُبَّمَا آلَ إِلَى أَنْ يُؤْذِي الْمَغْضُوب عَلَيْهِ فَيُنْتَقَص ذَلِكَ مِنْ الدِّين... اهـ.

وأما المشاجرة دفاعا عن المال: فهي جائزة بقدر ما تدفع عن أخذ مالك، فيجوز لك رفض إعطاء ما لا يلزمك دفعه، وإن أراد أخذه بالقوة فيجوز رد عدوانه، فقد روى مسلم وغيره: أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.

وراجع للفائدة فتوانا: 35294، بعنوان: المدافعة عن المال غير واجبة وتركها لما هو أحب إلى الله أفضل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني