الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من عليه كفارات أيمان كثيرة لا يدري عددها

السؤال

أنا مشكلتي في الأيمان، أنا كثيرة الحلف يعني أحسب من بعد البلوغ إلى الآن عمري 20 ما أدري كيف أحسبها لأنها كثيرة، وما أدري إذا كانت مختلفة أم يمين واحدة؛ لأن الأحكام تختلف؛ لأن بعضه يكون له كفارة واحدة لكل يمين، وهكذا، وإذا لم أستطع أتواصل مع جمعية ماذا أفعل؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننصح السائلة بالكف عن كثرة الحلف بالله، لما في ذلك من الجرأة على الله سبحانه وتعالى وعدم هيبته وتعظيمه، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ {البقرة:224}، وقال: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}، وجاء ذم كثرة الحلف في قول الله عز وجل: وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ {القلم:10}.
وهذه الأيمان التي ذكرتها إذا حنثت فيها فتلزمك عن كل يمين منها كفارة عند جمهور العلماء، ما دامت أيمانًا متعددة على أمور شتى؛ فقد جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ بِالْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ بِأَيْمَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى أُمُورٍ شَتَّى نَحْوُ أَنْ يَقُول: وَاللَّهِ لاَ أَدْخُل دَارَ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُ فُلاَنًا، فَفَعَل ذَلِكَ كُلَّهُ، عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأْوَّل: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ لِكُل يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ، وَرِوَايَةُ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ.
الْقَوْل الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْحَالِفِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِهِ قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، قَال الْقَاضِي: وَهِيَ الصَّحِيحَةُ، وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَقَدِ اسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِتَعَدُّدِ الْكَفَّارَاتِ بِأَنَّهُنَّ أَيْمَانٌ لاَ يَحْنَثُ فِي إِحْدَاهُنَّ بِالْحِنْثِ فِي الأْخْرَى، فَلَمْ تتَكَفَّرْ إِحْدَاهَا بِكَفَّارَةِ الأْخْرَى، كَمَا لَوْ كَفَّرَ عَنْ إِحْدَاهَا قَبْل الْحِنْثِ فِي الأْخْرَى، وَكَالأْيْمَانِ الْمُخْتَلِفَةِ الْكَفَّارَةِ، وَبِهَذَا فَارَقَ الأْيْمَانَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ مَتَى حَنِثَ فِي إِحْدَاهَا كَانَ حَانِثًا فِي الأْخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْحِنْثُ وَاحِدًا كَانَتِ الْكَفَّارَةُ وَاحِدَةً، وَهَا هُنَا تَعَدَّدَ الْحِنْثُ، فَتَعَدَّدَتِ الْكَفَّارَاتُ. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 160779.
وأحكام كفارة اليمين قد بيناها في الفتوى رقم: 26595، وغيرها من الفتاوى، وهي على التخيير بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فإن عجزت عنها جميعًا انتقلت إلى الأمر الرابع وهو الصيام، ولا يجزئك البدء بالصيام ما دمت قادرة على واحد من تلك الأنواع الثلاثة.
وإذا جهلت عدد الأيمان التي تلزمك كفاراتها، فلك أن تأخذي بالأقل، فإن شككت ـ مثلًا ـ هل عليك خمس كفارات أو ست؟ فعليك أن تكفري عن خمس؛ لأن الأصل عدم لزوم الكفارة، وهو الذي رجحه العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في فتاوى نور على الدرب، حيث قال: إذا شك الإنسان فيما عليه من واجب القضاء، فإنه يأخذ بالأقل، فإذا شكَّت المرأة أو الرجل هل عليه قضاء ثلاثة أيام أو أربعة؟ فإنه يأخذ بالأقل؛ لأن الأقل متيقن، وما زاد مشكوك فيه، والأصل براءة الذمة، ولكن مع ذلك؛ الأحوط: أن يقضي هذا اليوم الذي شك فيه؛ لأنه إن كان واجبًا عليه فقد حصلت براءة ذمته بيقين، وإن كان غير واجب فهو تطوع، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا. انتهى.
ويؤيده ما جاء في الموسوعة الفقهية في موضوع الشك في اليمين: إما أن يكون الشك في أصل اليمين هل وقعت أو لا؟ كشكه في وقوع الحلف، أو الحلف والحنث؛ فلا شيء على الشاك في هذه الصورة؛ لأن الأصل براءة الذمة، واليقين لا يزول بالشك. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: 224551.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني