الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حوّل مدير الحسابات مبالغًا إلى حساب أحد الموظفين فأعادها، فهل يُخبِر رئيسه؟

السؤال

أَمُرُّ بموقف صعب للغاية، وأحتاج مساعدة سيادتكم بخصوص حكم إفشاء سر قد يؤدي بصاحبه إلى السجن، أو الطرد من العمل، وترحيله إلى بلده، أو العقاب المعنوي، ولفت للنظر فقط، وأستأذن حضراتكم في تلخيص الموضوع في النقاط التالية:
كنت أعمل مع إحدى الشركات الكبيرة في الإمارات بالمراسلة من موطني، وكان يتم إرسال راتبي على حسابي البنكي كل أول شهر، وظللت على هذا الوضع مدة سنتين، ولكني فوجئت باتصال من مدير الحسابات يفيد أنه قام عن طريق الخطأ بإرسال مبلغ لا يخصني إلى حسابي، وأنه يجب عليّ إعادة إرسال هذا المبلغ إليه؛ ليقوم برد المبلغ إلى خزينة الشركة، مع التشديد المتكرر على أن الموضوع سر خطير جدًّا، ولا ينبغي لأحد معرفته؛ لأنه سيتم توقيع عقوبة شديدة عليّ إذا عرف أحد بالموضوع، ولكني فوجئت باستلامي مبلغًا ضخمًا على حسابي، يعادل راتب عشرة أشهر، وقمت بإعادة إرسال هذا المبلغ إلى مدير الحسابات، وبعدها بأربعة أشهر وصلني اتصال آخر يفيد قيام نفس مدير الحسابات بتكرار نفس الخطأ، وقيامه سهوًا بإرسال مبلغ لا يخصني إلى حسابي، والمبلغ كان كبيرًا أيضًا يعادل راتب سبعة أشهر، وقمت برد المبلغ إليه مرة أخرى؛ لأنه كما قال لي: سيقوم بإعادته إلى خزينة الشركة، مع تشديده المتكرر بأن الموضوع سر خطير جدًّا جدًّا، لا ينبغي لأحد معرفته.
وخلال هذه الفترة، ومن خلال بعض المواقف، تبين لي أنه شخص لا ينبغي الوثوق به، وبعدها أصبت بضيق شديد، وقمت بإنهاء تعاملاتي مع هذه الشركة، ولكن ظل فكري منشغلًا بهذين التحويلين، ولا أعلم هل ساهمت مع مدير الحسابات في شيء خاطئ، أم إن الموضوع لا يتعدى مجرد إنقاذ موقف؟ وهل أقوم بإفشاء هذا السر إلى رئيسي في العمل أم لا؟ وإجمالي المبلغ في التحويلين كان 3900 دولار.
وإذا قمت بإفشاء هذا السر لرئيسي في العمل، فلا أعلم ما هي ردة فعله؟ وما هي النتائج المترتبة على مدير الحسابات، فربما يتم سجنه، أو طرده من العمل، وترحيله إلى بلده، ومن الممكن أن يكون الموضوع لا يتعدى مجرد السهو، ويتم توبيخه فقط، وقد تعاملت مع مدير الحسابات عن بعد مدة عامين قبل هذه الأحداث، ولم أر منه خلال هذه الفترة سوى الخير، أرجو مساعدتي -جزاكم الله تعالى كل خير-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل إحسان الظن بالناس، وما ذكرت من تفاصيل، لا يمكن القطع من خلاله بأن المدير المذكور فعل ما فعل متعمدًا، أو أن له غرضًا سيئًا من ورائه، بل الاحتمال الأرجح أنه أخطأ في تحويل المبالغ إليك.

ومن ثم؛ فنرى أن تستر عليه، خاصة أن الأمر قد فات، وليس لديك ما يثبت خيانته، وغشه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة. رواه البخاري.

قال ابن حجر في الفتح، تعليقًا على هذا الحديث: والذي يظهر، أن الستر محله في معصية قد انقضت، والإنكار في معصية قد حصل التلبس بها، فيجب الإنكار عليه، وإلا رفعه إلى الحاكم. اهـ.

وأما إرجاع الفلوس إليه ليردها إلى خزينة الشركة، فهذا هو التصرف الصحيح، ولا يلحقك شيء بسببه، ما دمت غير متيقن من أنه سيتصرف فيها على وجه غير مشروع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني