الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من السخرية من خِلقَة الناس

السؤال

هناك حديث منتشر، وهو: ابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: علي أتضحك يا رسول الله، لأني أقصر قامة من عمر، فقال رسول الله: سيأتي زمان يفرقون بينكم يا علي، قال علي: لو كنت في ذلك الزمان لقطعت رؤوسهم، فما صحة هذا الحديث؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فلم نعثر على الكلام المشار إليه في السؤال في شيء من كتب السنة ودواوينها، ولا في الكتب المصنفة في الأحاديث الموضوعة والضعيفة، وهذا دليل واضح أنه لا أصل له، فأمارات الوضع عليه ظاهرة، فليس في هذا الكلام شيء يحمل النبي صلى الله عليه وسلم على الضحك أو التبسم، لأنه إن كان الضحك بسبب قصر قامة علي مقارنًة بقامة عمر فليس من خُلُقِ النبي صلى الله عليه وسلم أن يضحك من أحد لقصره أو شيء من خِلْقَتِهِ، بل إنه اشتد نكيره على عائشة ـ رضي الله عنها ـ لما أشارت إشارة يفهم منها أن صفية قصيرة القامة، ففي السنن أنها قالت: قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: حسبُك من صفيَّةَ كذا! قال بعضُ الرُّواةِ: تعني قصيرةً، فقال: لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجتْ بماءِ البحرِ لمَزجَتْه، قالت: وحكَيْتُ له إنسانًا فقال: ما أحبُّ أن حكيْتِ لي إنسانًا وأنَّ لي كذا وكذا.

ولما ضحك الصحابة مرة من حموشة ساق ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ استنكر ذلك، ففي مسند أحمد عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِمَّ تَضْحَكُونَ؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ.

وقد عد أهل العلم الضحك على خِلقة الإنسان ضربا من ضروب السخرية بالناس، كما قال الغزالي في الإحياء وهو يعدد صور السخرية: كالضحك على خطه وعلى صنعته، أو على صورته وخلقته إذا كان قصيراً أو ناقصاً لعيب من العيوب، فَالضَّحِكُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السُّخْرِيَةِ المنهي عنها... اهــ.

وإن كان الضحك بسبب تفريق الناس بين علي وعمر، فهذا ليس شيئا يفرِحُ أو يُضحك، بل هو أمر يُحزِنُ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني