الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما حكم التأمين الإضافي على زجاج السيارات؟

السؤال

ما حكم التأمين الإضافي على زجاج السيارات، أو أي تأمين إضافي على السيارة؟ وإذا ما تم هذا التأمين عن جهل، أو نسيان، وحدث خلال مدة التأمين إتلاف بعض زجاج السيارة، فهل هناك حرج في إصلاحه على حساب شركة التأمين؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالتأمين التجاري محرم؛ لأنه القمار بعينه، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: شركات التأمين هي أن الإنسان يدفع كل سنة عن ماله ـ مثلاً ـ شيئاً معلوماً، مثل أن يقول: هذه سيارتي أؤمن عليها كل سنة خمسمائة ريال، على أنها إذا أصيبت بحادث أصلحتها شركة التأمين، وإن لم تصب بحادث سلمت الشركة.. وهذا هو عين الميسر تماماً الذي حرمه الله تعالى في كتابه، وأجمع المسلمون عليه في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {المائدة:90}. اهــ.

فلا يجوز التعامل معها في التأمين الأصلي، ولا الإضافي على الزجاج، ومن شارك فيه مع علمه بالتحريم، فهو عاص، تلزمه التوبة، وإذا انكسر الزجاج فإنه ينتفع من التأمين في إصلاحه بقدر ما دفع فقط إن استطاع، وإن أجبر على أخذ ما زاد عما دفع تصدق بالزائد، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: التأمين لا يجوز، التأمين من القمار، والميسر، فإذا ألزم به قهرًا عليه، فلا حرج عليه، لكن لا يأخذ إلا مقابل ما دفع، إذا استطاع عند الضرورة... اهـ.

وسُئِلَ -رحمه الله تعالى-: الناس في هذه البلاد ملزمون بحكم القانون بتأمين سياراتهم، فإذا وقع لأحدهم حادث، فهل يجوز له أن يصلح سيارته بهذا التأمين؟

فأجاب بقوله: إذا كانوا ملزمين يأخذ مقابل ما دفع، لا زيادة، ولا يأخذ الزيادة التي هي قمار، فإذا دفع لهم عشرة آلاف يأخذ عشرة، دفع أربعة يأخذ أربعة، ثلاثة يأخذ ثلاثة، ألفين يأخذ ألفين، والزائد لا يأخذه وإن أخذها يتصدق بها، يدفعها في وجوه البر للفقراء، والمساكن. اهــ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح الزاد: إذا قدر عليك حوادث أكثر مما دفعت فإنك لا تستحق هذا الزائد؛ لأنك تعتقد أن العقد باطل وحرام، فخذ ما خسرت أو ما دفعت في التأمين، والباقي امتنع منه، فإن أبوا إلا أن تأخذه فخذه، وتصدق به تخلصاً منه.. اهـ.

وينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز للمكلف أن يفعل أمرًا حتى يعلم حكم الله فيه، قال الأخضري المالكي في مقدمته: ولا يحل له أن يفعل فعلًا حتى يعلم حكم الله فيه، ويسأل العلماء، ويقتدي بالمتبعين.

وقال القرافي في الفروق عند الفرق الثالث والتسعين: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ، وَالشَّافِعِيَّ فِي رِسَالَتِهِ حَكَاهُ أَيْضًا فِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا عَيَّنَهُ اللَّهُ وَشَرَعَهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَةِ، وَمَنْ قَارَضَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقِرَاضِ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ، وَجَمِيعُ الْأَقْوَالِ، وَالْأَعْمَالِ. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني