الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطورة الوساوس وضرورة إهمالها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
لدي مشكلة، وأرجو إرشادي. حيث إنني شاب في 32 من عمري، وعندما كنت في 13 من العمر، أي منذ زمن بعيد، حصلت مشكلة بيني وبين والدتي، وكنت أنا المخطئ، فأذكر أنني رفعت صوتي عليها بغضب، ولم أسمع كلامها، ونهرتها. لكن وفي نفس اليوم ندمت ندما شديدا، واستغفرت الله على ذلك. ومن يومها وأنا شديد البر بها، وهي دائما تقول إنني أكثر إخوتي برا بها، وتقول إنها راضية عني.
طوال تلك السنين، نسيت هذه المشكلة التي حصلت نسيانا تاما، وكأنها لم تكن. لكن منذ قرابة أسبوعين تذكرت هذه المشكلة، ولشدة حبي لأمي أحس بالألم كلما تذكرت ما حصل. عندها كان هذا مثل المدخل الذي دخل الشيطان منه، فأتتني وساوس، وتأنيب ضمير، وإحساس بالذنب مؤلم جدا. أجد صعوبة في التخلص منه، إلى أن دخلت في حالة اكتئاب. عندها لجأت إلى طبيب نفسي للعلاج السلوكي، بدون استخدام أدوية.
وصف المشكلة بأني مصاب بعقدة الذنب ((وفي مثل هذه الحالات يجب عدم تضخيم المشكلات، بل تصغيرها إلى أدنى حد)) فقال لي إن الموضوع بسيط جدا، ولا يستدعي كل هذا الحزن، وأنك وقتها كنت صغيرا، وأنك تبت إلى الله واستغفرته، ولم تعد إلى ذلك الذنب، وأنك الآن بار بوالدتك، وهي راضية عنك، بل إن كثيرا من الناس يقعون في هذا، فلا تكبر الأمور، ولا تضخم المشكلة، ولا تحزن، ولا تفكر فيها أبدا، واجعل الموضوع كأنه لم يكن. وجلس يكلمني، ويحثني على أن أعتبر هذا الموضوع صغيرا، وأنه لا يحتاج إلى أن أفكر فيه من الأساس، ويجب عليك أن تتذكر المواقف الطيبة، أما المواقف السيئة فلا تفكر فيها، واجعلها كأنها لم تكن.
خرجت من عنده مرتاحا، وطبقت ما قاله لي، ووضعت مبررات لنفسي لكي أدفع عن نفسي الحزن والتفكير، أي أنني كنت صغيرا، وأنني تبت من هذا الذنب، وأنني لم أسئ إلى والدتي إساءة بالغة، أي لم أشتمها أو أسبها، بل كان مجرد رفع صوت، وكنت أرفض سماع كلامها، فالموضوع ليس بالكبير، وأنني أخطأت في تضخيم هذه المشكلة، والدليل على أنها بسيطة ولا تستحق كل هذا الحزن، أنني طوال تلك السنوات لم يخطر ببالي هذا الموضوع نهائيا، ولو كان كبيرا لما نسيته كل هذه السنين.
استفدت من هذه الزيارة فائدة عظيمة، وزال كل ما بي من هم وحزن، واستطعت أن أنسى هذا كله، وأصبحت لا أتذكر هذا الموقف، وعدت مثل ما كنت، سعيدا، مقبلا على الحياة.
بعدها بأيام أتتني وساوس وأفكار شيطانية، أنني لكي يتوب الله علي، يجب ألا أنسى هذا الموضوع، وأن أتذكره، وأندم، وأفكر فيه دائما، بل إن كلام هذا الطبيب يناقض الدين، ويجب أن تحقر نفسك على ما عملت. وألا أضع مبررات لنفسي، مع أنني بحثت في الإنترنت ولم أجد ما يناقض الدين في كلام الدكتور. فللأسف وبعد اشتداد هذه الوساوس، عدت للحزن والاكتئاب، والإحساس بالذنب، وتأنيب الضمير، وتنغصت حياتي، بل أصبحت أحتقر نفسي، وأرى الناس أفضل مني، وتمنيت أني مت قبل هذا، وأحيانا أتمنى الموت من شدة تأنيب الضمير.
تعطلت أمور كثيرة في حياتي. قلَّت إنتاجيتي في العمل. حتى العبادة لم تكن مثل السابق، حيث تفوتني الكثير من الفروض. أصبحت لا أخالط أحدا. حتى الزواج، كنت على وشك أن أتقدم لخطبة فتاة، لكن الآن لا أستطيع لشدة حزني، واحتقاري لنفسي.
سؤالي: هل في كلام هذا الدكتور ما يناقض الدين؟ وهل عندما وضعت مبررات لنفسي لكي أدفع الحزن. هل هذا يجعل التوبة غير مقبولة، مع أنني تبت وندمت، ولم أعد لذلك الذنب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كلام الدكتور ليس فيه ما يناقض الدين، وليس في تصرفك ما يناقض التوبة، فالولد في الثالث عشرة، يحتمل احتمالا كبيرا أنه لم يبلغ الحلم. وبذلك يكون غير مؤاخذ.

وإذا كان ذلك صدر منك بعد البلوغ، فتكفيك توبتك وندمك، ورضى أمك عنك، فقد أخرج ابن ماجه والحاكم وأحمد عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الندم توبة.

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب، كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني