الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فضل ومنزلة الحسنة الواحدة

السؤال

لماذا العلماء يهتمون كثيراً بالحسنة الواحدة ؟ وما هو الباعث لهم على ذلك ؟ وخاصة الدعاء الى الهدى وتعليم الناس أمور دينهم، ويهتمون بالصدقة الجارية أيضا كثيراً فما أهمية الحسنة الواحدة في حياة المسلم سواء كان يبذلها في حياته بالفرائض والنوافل ونشر الهدى والدين وتعليم الناس أو بعد موته كالصدقة الجارية من تعليم الناس ؟ فأنا قرأت كلاما لأهل العلم، وهذا معروف أن الناس تتفاوت منازلهم بالجنة على حسب أعمالهم فليس من في جنة الفردوس كما هو دونها كل حسب عمله، والله تعالى يجازينا بالحسنات على أعمالنا . فهل كلما زادت حسنات العبد زادت درجته من الجنة، وزاد قربه من الله، كمثال هناك بعض العلماء يقولون: السعيد من تقطعت أنفاسه ولم تنقطع حسناته، وأيضا لو لم يبق لي إلا يوم واحد لجعلته في تعليم الناس لانه أنفع عمل لي، فلماذا هو أنفع عمل له ؟ فهؤلاء العلماء الكبار مقربون عند الله جدا وهم ورثة الأنبياء وهم أفضل الخلق، وكتبهم مليئة لطلاب العلم، ومع هذا لا يزال يهتم بنشر الهدى والأجر الزائد والصدقة الجارية وكثرة حسناته، فهذا أمر يحيرني كثيراً، فمع كل هذا الفضل ولا يزال يهتم بالحسنة الواحدة ونشر الدين والصدقة الجارية، فسؤالي: ما الباعث له على ذلك ؟ هل كلما كثرت حسنات العبد زادت درجته في الجنة وزاد قربه من الله، أم ماذا ؟ فأنا سمعت أنه كلما زاد المنتفعون بالخير منه زاد أجره وجزاؤه فما هو جزاؤه ؟ فنحن نعلم أن العلماء متفاوتون في العلم والتقوى ونشر العلم والدين فهل كلهم في درجة واحدة في الجنة ؟ وهل كل من دخل جنة الفردوس مثلا يكونون في منزلة واحدة أم أن جنة الفردوس منازل ودرجات ؟ فليس درجة رسول الله محمد كدرجة العلماء أو الشهداء ؟ فمثال ذلك ليس من معه خمس ملايين حسنة كمن معه مليون حسنة فلا شك أن من معه حسنات وأجر أكبر فجزاؤه أعظم عند الله فهل هذا صحيح ؟ أم أن هناك أسبابا أخرى باعثة لهم على ذلك ؟ أنا لا أعلمها فقولوا لي: ما هي ؟ فأنا ما أعرفه فقط أن من كانت حسناته أكثر من سيئاته دخل الجنة . وهمتهم هذه للعلماء والواقع واهتمام الرسول في بعض الأحاديث في نشر العلم والهدى واهتمامه بالصدقة الجارية يدل على أن هناك أسبابا أخرى . أريد معرفتها لأني أريد أن أكون مثلهم، وأن تكون همتي مثلهم عالية، وأريد أن أكون من أقرب الناس الى الله، وأريد أن تكون لي صدقة جارية بنشر العلم، ولماذا هم يهتمون بها كثيراً، أريد جوابا وافيا . بارك الله فيكم

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك تواصلك مع موقعنا ، لكن نصدقك القول بأن السؤال على طوله مثار للاستغراب ! فكيف يُسأل عن فائدة الاهتمام بالحسنة، والمسارعة في الخيرات، والمواظبة على الأعمال الصالحة، إن هذا لشيء عجاب! ما ذكرته بقولك: ( فهل كلما زادت الإنسان حسنات العبد زادت درجته من الجنة وزاد قربه من الله ) جوابه: أن هذا من الأمور البينة التي لا تحتاج إلى كبير استدلال، فإن أهل الجنة يتفاوتون في درجاتهم فيها تفاوتا عظيما، وهل ذلك إلا بالحسنات من الإيمان والعمل الصالح؟!

ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. وفي الحديث: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة. رواه البخاري. والحديثان يدلان على أن تفاوت المنازل إنما يكون بالعمل، كما قال تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {الأعراف:43}، قال القرطبي: ومعنى أورثتموها بما كنتم تعملون، أي: ورثتم منازلها بعملكم. اهـ.

وقال ابن عيينة: كانوا يرون النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة بفضله، واقتسام المنازل بالأعمال. ذكره ابن رجب في رسائله .

فهل بعد هذا يُسأل عن جدوى الحرص على عمل الخير؟! وهل يدري المرء الحسنة التي تقبل منه وتدخله الجنة؟ أم هل يضمن المرء ألا تكون الحسنة ما قد ترجح بها كفة حسناته على سيئاته؛ كما قال ابن حجر: فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه، فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها .اهـ. من فتح الباري.

وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم:61088 ، والفتوى رقم: 144987، والفتوى رقم: 214885.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني